القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

مقبرة بتوزيريس في تونا الجبل سجل حافل للحياة اليومية في مصر البطلمية

114

القاهرية
تونا الجبل هي إحدى القرى التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا وكانت الجبانة
المتأخرة لمدينة الأشمونين وتضم الكثير من الآثار الهامة التي يرجـع معظمهـا إلـى
العصور الفرعونية المتأخرة والعصرين اليوناني والروماني. وقد عرفت في النصوص
المصرية القديمة باسم “تا-حنت”
tA-Hnt وتعنى البركة الفيـضان،
ثـم عرفت في العصر اليوناني باسم “تا-ونس” ويعنى نفس المعنى. ويشير هـذا المعنـى
“البركة-الفيضان إلى التجمع المائي لذي كان يحدث في هذه المنطقة نتيجة للفيضان.
ومن كلمة “تا-ونس” اشتُقت الكلمة العربية “تونا” ثم أُضيفت إليها “الجبل” لموقعها فـي منطقة جبلية صحراوية وتمييزا
عن القرية السكنية التي تُعرف بـ “تونا البلد”.
في عام ١٩١٩
وبمعونة من أحد سكان مدينة الأشموني الذي أرشد عن موقـع
المباني قامت هيئة الآثار بأجراء حفائر علمية أسفرت عن اكتـشاف مقبـرة الكـاهن
“بيتوزيريس” على يد العالم الفرنسي “جوستاف لو لوففر” الذي سجل لنا نتائج عملـة
في مؤلف رائع يقع في ثلاثة أجزاء عنوانه ”Le Tombeau de Petosiris “ والـذي
نشره عام ١٩٤٤، وقد عرض فيه تلك المقبرة وزخارفها ذات الذوق المصرى الـذي يحمل بين ثناياه روحا إغريقية، وكانت تلك الدراسة بمثابة اللبنة الأولـى فـي مجـال دراسة التأثيرات المبكرة للثقافة الإغريقية في مصر منذ فتح الإسكندر الأكبر.
ثم كان لمجموعة الآثار التي كشف عنها بجوار مقبرة “بيتوزيريس” الفـضل فـي
إضافة جديدة لنا لا تقل في أهميتها عنها، بل أضافت لنا معلومات جديدة وهامـة فـي
مجال الفن المختلط، والتأثير الإغريقي على الثقافة المصري
ولا يـسعنا هنـا إلا أن
نذكر بالفضل ذلك الجهد الكبير الذي قام به العالم المصري “سامي جبره” صاحب فكرة
استكمال عملية التنقيب لسبر غور تلك المنطقة الوعرة، واستطاع أن يبذل كثيـرا مـن
الجهد ممثلاً للجامعة المصرية وبتضحيات كبيرة وجهد شاق لا يقدره إلا من عمل فـي
مجال التنقيب، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار صعوبة الوصول لموقع تونا الجبل فـي الماضي فلم تكن وسائل النقل مريحة.

ولم يقتصر إسهام العالم المصري سامي جبره على ذلك فقط بل في خلال خمـسة مواسم متتالية من عام ١٩٣١ وحتى عام ١٩٣٥ استطاع أن يكشف عن مدينة متكاملة محور ارتكازها مقبرة “بيتوزيريس”، وتضم بين جنباتها مقابر يرجع تاريخها إلى الفترة
من بداية القرن الثالث قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الثالث الميلادي، تنقسم هذه المقابر إلى ثلاثـة
مجموعات هي :
المجموعة الأولى يمكن أن نطلق عليها مقابر على شـكل معابـد حيـث يـأتي تخطيطها العام مماثلاُ لتخطيط المعابد مثل مقبرة “بيتوزيريس” ولكنها في نفس الوقـت كانت متأثرة بالعمارة اليونانية تأثير.
وجميع مقـابر هـذا النوع مبنية من الحجر الجيري المصقول ولكنها تخلو من النقـوش والزخـارف عـدا مقبرتي “بيتوزيريس” و “باديكام” وإن الذي جاء تخطيطه مصريا جاء متأثرا بعناصـر إغريقية.
المجموعة الثانية هي مقابر رومانية على هيئة منازل بنيت مـن الطـوب اللـبن وكسيت بطبقة من الملاط. وجاء تخطيطها صورة مؤكدة لمنازل الطبقة الوسطى.
وهذا الأسلوب في الدفن هو أسلوب مصري
ورغم الجمال والثراء الذي تتميز به زخارف هذه المجموعة من المقـابر إلا أنـه ينقصها النقش أو اسم المتوفى حتى يمكننا أن نجزم من يكون صاحب هـذه المقبـرة ؟
وهل هو مصري تأغرق أم إغريقي تمصر ؟
ولعل خير دليل على انتشار الثقافة الهللينية داخل مصر هي تلـك الموضـوعات المستوحاة من الأدب والأساطير اليونانية والمنقوشة على جدران تلـك المنـازل مثـل حصان طروادة أو قصة أوديب ملكا وغيرها.
أما المجموعة الثالثة من مقابر تونا الجبل فهي تلك الجبانة المقدسة، والتي تـضم رفات مومياوات الأيبس وأبو منجل رمزا الإله “تحوت”، وقد كشفت أعمال الحفائر عن أربعة سراديب يتراوح تاريخها للفترة من نهاية العـصر الـصاوي وحتـى العـصر
الروماني.
وتضم إلى جانبي التوابيت والمومياوات معابد جنائزية ملكية لكي تقام فيها طقوس
الدفن كما عثر على حجرة التحنيط وبعض التماثيل.
الإطار التاريخي
كانت المقاطعة أو الإقليم الخامس عشر يسمى بإقليم “إخناتون”، وهو ذلك الإقلـيم
الممتد من تل العمارنة شرقا حتى كثبان تونا الجبل غرباً ـ أطلـق عليـه فيمـا بعـد الأشمونين نسبة إلى النظرية التي تنادى بأن عناصر خلق الكون ثمانية ـ مقسما إلـىأشمون الشرقية “الأشمونين” وهى مدينة الأحياء، وأشمون الغربية “تونا الجبـل” وهـى

مدينة الأموات أو الموتى.
أ- أشمون الشرقية “الأشمونين” مدينة الأحياء

١- الأشمونين قبل التاريخ
يتحدث كتاب معجم البلدان
عن أصل هذا الاسم “أن أشمون بالنون وأهل مـصر
يقولون الأشمونين.
وهي مدينة قديمة أزلية عامرة
آهلة وهـى قريـة كبرى من قرى مصر الصعيد الأدنى غربي النيل ذات بساتين ونخل كثيرة سميت باسم عامرها الأول وهو أشمون بن بيصر بن سام بن نوح وهو أحد أبناء بيصر حيث قـسم
الوالد بينهما ملك مصر فكان نصيب أشمون من أشمون فما دونها إلى منف في الشرق
والغرب وسكن أشمون بأشمون فسميت به وتدرجت بعد ذلك إلى الأشمونين”.

٢- الأشمونين في العصر الفرعوني
يدل اسم الأشمونين على مكانين أو مدينتين متجاورتين إحداهما تمثـل مدنيـة الأحياء والأخرى تمثل مدينة الأموات بل ومسرحا لأسطورة قديمة تقول أن هـذه الأرض وقد كانت الأشمونين مصدراة هي موطن بدء الخليق إذ تتحدث الأسطورة على أن أول ما ظهر في الأرض كـان بمثابة بدء العالم وفوق هذا التل ظهرت أولى المعالم حياة، إذ سكن فيه أربعـة ذكـور على هيئة ضفادع وأربع إناث على هيئة ثعابين وتزاوجت هذه العناصر الثمانية ونبـت من هذا التزاوج زهرة اللوتس التي ترمز للشمس
فسمى المكان “شيمنو”
وهى تعنى ثمانية وهم الثمانية آلهة السابق ذكرهم.
وكذلك فقد كانت لهذه المدينة مكانة متميزة في قلوب المصريين القدماء منذ فجـر التاريخ وكان لمدينة خمنو مدرسة دينية خاصة ذات تعاليم خاصة وقد تكون مجهولة لنا لأنه لم يصلنا الكثير من المعلومات عنها.
وقد كان الإله الخاص بالأشمونين هو الإله تحوت بعـد أن انتقلـت إليهـا عبـادة
رمز الإله تحوت الذي أصبح معبود المدينة الرئيسي، وقد بلغت من قدسـية الإيبس
هذا الطائر في المعتقدات المصرية حد فرض عقوبة الموت لمن يقتل الطائر عمـدا او خطأ
وقد كان للإله تحوت من الصفات والألقاب ما جعله من الآلهة العالمية الوظـائف بحيث لم تقتصر عبادته على مدينة خمنو فقط بل امتد إلى سـائر الأقـاليم المـصرية، صديق الإله و الإنسان
ًولكونه أيضا الوفي فهو أيضاً إله الخير.
وقد وجدت علاقة وثيقة بين الإله تحوت والإله رع ولعل مرجع ذلك يعـود إلـى علاقة القمر بالشمس حيث كان الإله تحوت إلها للقمر
فهو يعيد هذا الكوكـب إلـى
اكتماله بعد اختفاءه فيصبح هو العين الكاملة لحورس وبذلك فهما يحكمان فيما بينهمـا
لإله الشمس الليل والنهار، يعتبر الإله تحوت مساعد لأنه يضئ ظلمـة الليـل وأيضا هو الثور بين النجوم والقمر في السماء

أما من بين الصفات التي أصبغها المصريون علـى الإلـه تحت كـان لقـب “المحاسب” فقد كان يحسب السنين للملك ويقيدها على سعف النخيل وكان يحسب أعمارالناس ويحدد سنين حياتهم وهو الذي يحصى الأعوام كحاكم للسنين
هذا إلى جانب أنه يقوم بعملية الوزن حيث نجد أحد الحكماء وهو ينصح باهتمام بـالغ بالأمانـة
والدقة وقد وقف الإله تحوت على جانبي الميزان حيث يزن.
يبس وقرد البابون رمز القلب
وحسب بردية تورين والتي تضم قائمة من عشرة آلهة تحدد عمر الإله تـذكر أن الإله تحوت عاش مدة تقدر بـ ٣٧٢٦ سنة. وكانت الاحتفالات الدينية المقدسة الخاصة بالإله تحوت تتم أول كل شهر من التقويم المصري ومنذ الدولة الحديثة أصبح الشهر الأول من السنة يسمى توت.

يتبع فى الجزء الثاني

قد يعجبك ايضا
تعليقات