القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

حليب النمل 

119

 

كتبت _نجده محمد 

لا تزال مستعمرات النمل موضوعًا للأبحاث التي لا نهاية لها، إذ يبهرنا النمل دائمًا بعمله معًا ضمن مجموعة واحدة ليبدو كأنه كائن خارق واحد. في ورقة بحثية جديدة نشرت في مجلة “نيتشر” يذكر “دانيال كروناور” وزملاؤه أن شرانق النمل تقدم خدمة جليلة للمستعمرة، إذ إن أجسامها النامية تفرز مادة سائلة شبيهة بالحليب توفر العناصر الغذائية المهمة لبقية أفراد المستعمرة.

لاحظ باحثون، أن النمل يفرز سائلًا شبيهًا بالحليب يغذي الآخرين في المستعمرة، وكشف بحث نُشر في دورية Nature، أن النمل- وهي مرحلة نمو غير نشطة بخلاف ذلك- ينتج سائلًا غنيًا بالمغذيات يستهلكه كل من البالغين واليرقات.

الغرق في الحليب

تم اكتشاف هذا السائل المثير للاهتمام من قبل “أورلي سنير”، التي لم تعمل مع النمل قبل انضمامها إلى مختبر “كروناور، إذ لاحظت بعض السلوكيات التي لم تجد لها تفسيرًا في المؤلفات العلمية. فاقترحت على “كروناور” القيام بتجربة علمية، يتم من خلالها إعداد الشرانق واليرقات باستمرار وتحريكها أو تكديسها معًا وعزلها عن بقية المستعمرة. استغرق الأمر وقتًا لمعرفة كيفية إبقائها على قيد الحياة حتى وُجدت درجة الحرارة ومستوى الرطوبة المناسبين، ثم بدأ شيء غريب يحدث. إذ بدأت الشرانق تنتج سائلًا بكمية كبيرة. تقول سنير: “إن الكثير منها غرقت في هذا السائل، هذا إذا لم تمت من عدوى فطرية أولًا”.، ثم أرادت سنير معرفة إذا كانت هذه ظاهرة غير طبيعية بسبب عزلة الشرانق عن المستعمرة! أم أنه شيء طبيعي تمامًا لم يلاحظه أحد حتى الآن؟ فقامت بحقن صبغة طعام زرقاء في الفتحة التي يأتي منها السائل وأعادت الشرانق المزرقة إلى المستعمرة، وسرعان ما لاحظت أن النمل البالغ يزيل السائل من الشرانق ويبتلعه، كما اتضح من اللون الأزرق الذي انتشر عبر أحشائهم.

وتعتمد اليرقات حديثة الفقس على هذا السائل في النمو والبقاء على قيد الحياة، على غرار الطريقة التي يعتمد بها حديثو الثدييات على الحليب، وإذا لم يتغذ النمل البالغ واليرقات على السائل، فإنه يتراكم ويصبح ملوثًا بالفطريات التي تقتل العذاري.

وتقول المؤلف المشارك أورلي سنير، عالم الأحياء بجامعة روكفلر في مدينة نيويورك: «لقد حددنا آلية توحد المستعمرة، وتربط النمل عبر مراحل النمو- البالغين واليرقات والعذارى- في كيان متماسك، الكائن الحي الخارق».

وأوضحت باتريسيا ديتور، عالمة الأخلاق في جامعة السوربون باريس الشمالية، فرنسا: «من المدهش حقًا ألا يلاحظ أحد هذا من قبل».

واعتبرت الشرانق عديمة الفائدة لأنها غير متحركة، وتدور حولها شرنقة في بعض الأنواع، ولا تأكل، وتحركها عمال النمل، لذلك لن تساهم في أي شيء لمجتمع النمل. لكن هذه الورقة تظهر أن هذا ليس صحيحًا.

وتوصل سنير وزملائه إلى هذا الاكتشاف عبر مراقبة النمل المهاجم النسيلي (Ooceraea biroi) الذي تم الاحتفاظ به في عزلة في مراحل مختلفة من دورة حياته، للتحقق ما يجعل مستعمرات النمل متكاملة للغاية.

وفي أثناء مراقبة شرانق النمل المعزولة، تفاجأ الباحثون برؤية قطرات سائل تظهر على أطراف البطن، عندما تراكم هذا السائل، غرقت فيه الشرانق، لكنها نجت بعد إزالتها عبر حقن صبغة طعام زرقاء في العذارى وتتبع المكان الذي انتهى به الأمر، أظهر الباحثون أن النمل البالغ يشرب السائل أثناء إفرازه، ويساعد يرقاته أيضًا على شربه عن طريق حمله إلى الشرانق. هذا يمنع السائل من التراكم.

وتقول سنير: «يقوم البالغون برعاية الوالدين أثناء تنظيفهم للعذارى، وأخذ اليرقات ووضعها على الخادرة لتتغذى».

وأضافت: «سأقول إنني حاولت تذوقه. لقد اعتقدت أن حليب النمل كان قليل السكرية»، لكن بعد فوات الأوان لم تكن متأكدة ما إذا كان ذلك لمجرد أنها توقعت ذلك حتى أنها سألت زملائها في المختبر للحصول على رأي ثان، موضحة: «كنت أبحث عن متطوعين، ولم يوافق أحد على تذوقها».

اختبر الفريق التركيب الجزيئي للسائل وحدد 185 بروتينًا خاصًا به، بالإضافة إلى أكثر من 100 مستقلب مثل الأحماض الأمينية والسكريات والفيتامينات.

 

وتشير المركبات التي تم تحديدها إلى أن السائل مشتق من سوائل الانسلاخ، والتي يتم إنتاجها عندما تقوم اليرقات بإلقاء بشرة خارجية أثناء تطورها إلى خادرة.

 

ويقول Adria LeBoeuf، عالم الأحياء بجامعة فريبورج، سويسرا: «إنها عملية إعادة تدوير انتهازية يقوم بها النمل داخل المستعمرة… وتقسيم استقلابي للعمل».

 

اكتشف الباحثون أيضًا «حليب الخوادرK في أنواع من أكبر خمس فصائل فرعية من النمل، ما يشير إلى أنه يمكن أن يلعب دورًا في تطور الهياكل الاجتماعية للنمل.

قد يعجبك ايضا
تعليقات