القاهرية
العالم بين يديك

قلالة بين الكهوف والفن

124

 للكاتبة والفنّانة التّشكيلية/رجاء بن موسى من سوسة تونس

متابعة عبدالله القطاري من تونس 

نوارس الصباح

ينساب النور بين أجنحتها

تحلق على ظلال الكريطة 

يمسك قيدها ملاح تتبلل قدميه بموج ساكن في أفاق البحار

وشباك قد انتشرت بين أنامل 

البحّارة تشبك الرقع بالمخيط 

وقد ظللت جباههم السمراء مظلة العسف

وعرائس البحر قد التففن بالحرام 

متموجا شمسا وبحارا

و خلخال يتهادى على كعابهنّ ثراء 

و دلالا

وقد توّجن رؤسهنّ بسلّات من السّمار

ترشح تينا و عنبا و رماّنا

وهناك في الأفق تقرع الطّبول 

 هاريبوس هاريبوس

أزيلوا الشراع 

اوثقوا مراسي المراكب

ولتكن بداية العالم هنا  

على سواحل هذه الجزيرة

 قلاّلة مدينة الفنّ والحياة 

و ينتشر الفينيقيون في ثنايا الأحلام

و ثقافتهم طين وفخّار 

وبين البحر والرّمال تتموّج الهضاب

و تكتشف كهوف الطّين 

فكنوزها حديد و بلّور و نحاس 

وتشد الجباه بالعصابة وتلتفّ البلوزة 

بالفوطة و تقتحم الرّمال

مغامرة و ساحة وغى بين الموت والحياة

و الطّين لا يجلب من أمام الأعين

فهو أغلى من التراب 

هو في أعماق الوجود مستتر

 وسلاح مغامره قادومة و فانوس ومعلف

و طريقه درجة درجة

إرادته اغلى من الكنز المفقود

 وجبينه يوثّق المعلف بخيط الحلفاء

وظهره للأحمال ملتزما للمسالك وظلمته تبدّدها شمعة يتوه نورها وراء خفقات قلبه

 وبين فكّيه تشدّ عروة المعلف

ليترك يديه تزحف المسالك 

فهو صاحب دراية وصنعة

لا يتوه للوصول الى الوسطيٌة طريق الحياة ولا يترك المتاهات تنهي حياته

 

فارتباطه بالمعدن إثبات للوجود وهيام و عشق

فمن الكهوف ينبثق الفنّ و يخلّد الحبّ

 

 و يتثاقل الطيّن دعسة وتنقل جرّا بالجمال 

و من حنان الشّمس ينتشر الطّين 

جفاء للمياه

ومن موج البحر يسقى الطّين 

فيضاء شمسا

ومن الأبار والعيون يتحلّى المعدن والتّراب ليغدو زهر رمّان 

وفي قصع النّحاس يشمّر الصانع بلوزته ويرمي زناّره على ضفاف 

مظلّته 

و يدعس بأقدامه الطّين والماء

ومن مسامات المنخل تنخل الأنية

و يعجن الطّين مع صفحات اليد والخيال 

ونور استرق الدخول لمغاور ليمتدّ تحت ظلال أقواس من جذوع النّخلة 

و ينير خزافا قد انحني لافّا خصره بلحفة جربية 

فوق تحفته الفنيّة

و أطراف أصابع قدمه تدير الجّرارة

و أنامله بين لمسات الطين حنين لماض فينيقيّ وأمازيغي و رومانيّ

وعيون تنسج من النّور والحب فنّا خالدا للزمن

و تدور الأسطوانة وفي دورانها تجويف الى أعماق التّاريخ

و مشطة تنساب معها برفق فتجعلها

تحفة خالدة في المتاحف و المعارض

وعلى التراب يجفّف الفخّار 

تحت أشعة ذهبية تلامسها بسلام

و من السمّار توقد النيران في الكهوف لثلاث ايام ليكون اليوم الرابع جريدا من النّخل 

ومن النار تخلق الحياة

فتبنى الموانئ وتتغيّر وجهة تاريخ الحضارة

 وتتراكم المراكب تجارة نحو العالم

في أمان من الرّطوبة و التلّف 

و السيلان 

عصير زيت ذهبيّ في الصّفر 

وقمح باجة في الخابية 

و بيت مؤونة قد ملئت جرارا و قلالا

وعلى المنضدة من الجديواة يسكب ماء رقراق بارد 

وفي البحار ينتشر القروج بين الصخور فخاخا للأخطبوط

وأيام القحط تمتلأ الأباريق

و تروى زهرات الحوش 

و تمتلأ التسريجة عدسا و زبيبا و تينا ولحما مقددا و قرنيطا مجففا 

وكيف لا نشتهي الروز الجربي والبخار في كسكاس فخار بورحين 

فلا أدري من انت يا ابن قلاّلة 

هل كنت قد سكنت الأساطير وسافرت مع أحلام الشعراء والفن والخيال

ام انت عاشق قد أذبت هيامك 

بين التّراب والماء فخلقت فخّارا

جسد حبك واقعا بين الأمم وفخرا لأجدادك مع الزّمن

ام انت عالم اقتصاد نجحت تجارتك بين موانئ الخلجان و مرافئ البلدان

فمن الكهوف خلقت الفنّ وعشت الحلم. 

 

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات