للكاتبة والفنّانة التّشكيلية/ رجاء بن موسى من سوسة تونس
متابعة عبدالله القطاري من تونس
سجلات اليونسكو تسجل على أرض غمراسن
خطوات الحياة الأولى
فمنذ مائة وخمسين سنة سجّل عصر الجوارسي على ضفاف وادي الجبل بني غدير خطوات الديناصورات
و هنا أيضا منذ خمسة ألاف السنين في محطّة المعرك ومغارة القنفد رسم الإنسان الحجري حياة الصّيد و الرّعي بالغزلان على جدران الكهوف وترك سهاما وأثار أقدام
فهيّا لنتّبع سيّد القوم
و نحطّ الرّحال
و لنتّخذ رمادة و تلالت حصونا على الجبال ونبني قلعة حمدون قصور الأمان و الافتخار
هنا تنحني فاطمة و قد توّجت رأسها بعصابة مطرّزة من زهور الجبال إكليلا و زعترا
و شدّت حرامها بالخلال ،لتزوّد نار الحطب بأعواد الزّيتون فالكسكاس
يفتخر بمخضور الشّعير مونة لهذا العام
وفي مسالك جبل *كرشاو* و بين الأشواك والحصى و أصداف قيعان البحار
ينتشر المعز والخرفان بين السّدرة
و تلمح عيون المها تستظلّ تحت نخيل التّمر فتخال أنّك تحت أحلام سراب النّخيل
وبعيدا عن الغيران
تحطّ النسور على قصور الجبال
وفي ثنايا مسالك الفرش يتخطى الجمل المحن مثقلا بالقمح و على هودجه الكرم
ضيف قد جعلوه أهل البيت سلطانا
و حكّموهم بينهم وأسالوا له دماء ظبي الفلا
و قعقعة الرّحى تجعل من القمح
سميدا رطبا إيذانا بالفطائر حرفة وصنعة الأجداد بين الأمم وافتخارا
لأبناء القصور و الإنسان الأوّل
و سرٌا للبقاء و غزوا للعالم وانتشارا لحضارة الإنسان
وأمام السّنفاج وقد شدّ حزامه
بفوطة و على رأسه طربوش أجداده
تزدحم المناكب وتمتد ّ العيون سهاما لعجينة فضيّة تدار بأنامل مثل القمر
و تنسكب بحنيّة في قاع من الزّيت
وسط طاجين نحاس يتًقد نارا من حطب
لتغدو فطيرة ذهبيّة تنقل بالسّفود
إلى شباك فتستقطر من زيت قد غمرها حبا و شعاعا
و توزّع في ألواح خشبية طويلة أو في طباق من القصدير
هدية في الصباح للفلاح والنّجّار والنّحايسي والشّواشيّ والحرايري
و قد جلسوا على قناطر اللوح
يتلذّذون فطيرة بالسّكر و العسل
و تحمد الأفواه هذه النعم
وفي النّخّالة تغمس الأيادي تخلصا من الزيت و نقاوة من الروائح
وفي ليالي البيض و السّود و قرّة العنز و بين الحقول تكون الفطيرة نشاطا لمواسم جني الزيتون والتّمور والبرتقال والتفّاح
وفي مجالس النّسوة افتخار وعبق قهوة وحكايات و ابتسامات
وفي ديار الغربة أحنّ الى عيش أمّي وفطيرة أّمّي
فتحلّق الفطيرة من الغيران الى المقهى العالي وفي حلق الوادي يدوّن أحد الفطّارين و بأمر من مشيخة المدينة رسالة إلى الباي ” أن يكون محمّد اللّولو من ابناء جنسنا من اخواننا ذي خبرة في ممارسة الصّنعة أمينا للفطايريّة وثقة دون سرقة او خيانة ”
و للسلطة الفرنسية نظر وتأييد
ولكن خفية كان للفطّارين مشاركة للحزب الحرّ الدّستوري وتحرير الوطن
فبدون جواز سفر تحلّق الفطيرة بتمجيد من ضابط فرنسي أنّها الصّنعة المهاجرة التي تخطّت حدود الوطن إلى النجمة القطبية و برج ايفل وتمثال الحرية
وفي ثناياها قصة غريب قد هدّده المستعمر بتقييد قبيلته ودفع الضرائب و تكبيل قصره
فاستعبدته الأزمات و جرّدته الصّعوبات
و عراّّه الزمان فلم يجد إلاّ صنعة.أجداده ومهنة البرّاّنيّة سلاحا ضد المحن
فأقام دكانا للفطيرة في كل المدن
غازيا بثقافته كل العقول و والقمم
منيرا دربه علما لأبنائه ونجاحا لوطنه و دفعا نحو الهمم
فهو مقصد كلّ غريب بين المدن وفوق السدّة يكون مقام الغمراسني الضيف و *فطيرة الجدّ *تقدم له دون ثمن
فالفطائري مقام أمان وثقة وكرم
و رسول بين الأمم
و سفير للثّقافة و لشعب احتضن الانسان الاول
وحافظ على التراث والقيم