د/عصام علي
هناك أشياء لا يمكن للإنسان تعريفها رغم محاولاته الدائمة في وضع مفهوم لها، فلكل منا تجربته حيالها التي تحدد وقعها بداخله ؛ لذا يخرج المرء بعد كل محاولة صفر اليدين من وضع إطار حقيقي لها يهتدي به من يأتي بعده!
ولا أجدني مبالغا عندما أشبه من يحاول ذاك بمن يمد يده يحاول الارتفاع نحو السحاب يريد قبضه ، فمهما ارتقى إليه لن يبلغه ، ومتى ما وصل إليه سيجد محاولة الارتفاع إليه أهون بكثير من قبضه ! ولن يبلغ منه شيئا ..
أكثر ما يمثل هذه الأشياء العصية على التعريف ” الشوق ” فلكل منا تعريفه الخاص به ، لكل منا درجته وقدره ، لكل منا نظرته ورؤيته !
منا مَن يراه لازم الحياة ومن غيره تمسي الحياة بلا قيمة..
ومنا من يعتبره سبب نبض القلوب..
ومنا من يتخذه جدرا يرتكن إليه ويحميه من تغيرات الزمن..
ومنا ….
لا يتوقف الشوق على أن يكون سببه : ( الإنسان – الزمان – المكان) وإنما هو فعل متجذر داخلنا؛ لذا يمكنني القول بأنه : لو لم يوجد ما نشتاقه لصنعنا شيئا نشتاق إليه، إنها طبيعة الإنسان لكل ما لا يدركه، طبيعته نحو كل شيء خفي عنه وبعيد عليه!
تجربة الإنسان مع الشوق تجربة مزدوجة الصورة ، فهي وإن دلت على قصوره من جهة أن ما يشتاقه ربما يكون فيه مضرته ، فمن جهة أخرى تدل على وفائه ، لكنه الوفاء الذي يدفع به إلى العيش داخل سجن تجربته ، إلى التوقف على استنشاق هواء المرحلة الأولى فقط ، لا يدفعه إلى مواصلة المسير واستكشاف الطريق إلى نهايته ، بل يجعله أسير حالة أولى لا تحمل معالمها رؤية واضحة لحقيقتها ! وهذه سوأة الشوق ..
في داخلي أن الشوق الأصدق هو الذي يسير جناحاه في نفس الاتجاه ، هو الذي يسعى طرفاه إلى الاجتماع حول حدث يجمعهما ، لا إلى التباعد بدعوى تجنب الألم ! هذا بالنسبة للإنسان .
أما الحقيقة الكبرى للشوق بداخلي فهي للأماكن التي حوت شعورنا تجاه قيمها الخالدة ، هي للأزمنة التي بلّغتنا السعادة رغم البؤس بداخلنا، هي للفضيلة التي أصبحت ركنا منسيا في متحف مهجور!
لا تلتفتوا إلى الوراء الجاحف الذي صور لكم الأشياء على حقيقة مؤلمة ، واستشرفوا لمستقبل تغزلون فيه خيوط فرحه بأيديكم ؛ حتى نكون على سعادة عندما نشتاقُ!