القاهرية
العالم بين يديك

رحلة مع شوقي ضيف

305

بقلم/ إبراهيم الديب 

والتعريف بموسوعته” تاريخ الادب العربي “المكونة من عشر مجلدات غطت تاريخ عالمنا العربي بأكمله منذ :عصره الجاهلي الذي سبق الاسلام حتى العصر الحديث ،خصص الدكتور شوقي لكل قطر عربي مجلد خاص بها، أو دمج عدة أقطار في مجلد واحد المهم أنه لم يترك جزء جغرافية العالم العربي أو تحدث بها أو أنتج بهذه اللغة أدبا ،إلا وشمله بدراسة موسوعة تاريخ الأدب العربي لا تقتصر على دراسة الأدب فقط بل تناول :المؤلف أيضا التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي لكل قطر أرخ له .
عنوان المجلد الاول :العصر الجاهلي، ثم “العصر الاسلامي ” دمجه مع العصر الاموي ثم “العصر العباسي الاول”يليه “العصر العباسي الثاني” المجلد الخامس بعنوان” عصر الدول والإمارات مصر ” يليه الشام” ويخص ليبيا وتونس وصقلية بمجلد ومجلد للمغرب العربي، واخر الاندلس ثم مجلد للسودان ومعه الدول الأفريقية التي: تعربت, يغطى كل مجلد من الموسوعة الضخمة القطر الذي يتناوله بالدراسة رأسيا حتى يصل للعصر الحديث .

أمتع الكتب عندي هي التي تجد فيها صورة المجتمع التي يتناولها بالدرس، بكل جوانبه وتعقيداته الحضارية والثقافية بعد هضم لثقافة العربية الإسلامية لتراث اليونان وفارس وجزء من الثقافة الهندية بقراءة الوافد: بمنهج وثقافة الموروث وبدمج ثقافة الآخر في ثقافة الأنا حتى لا يكون تجاور ثقافتين فقط ، بل هضم الوافد وتمثله بداخل الموروث لتجاوز ثنائية الثقافة لتصبح نسيج واحد لتحقيق وحدة الحضارة فقد قبلت الثقافة الإسلامية ، ثقافة الوافد من منطق القوة. وميزة أخرى لموسوعة شوقي ضيف أنك تلتمس بداخلها حياة الشعوب بكل تفاصيلها وبكل خلجة نفسية شعرت بها هذه الجماعات البشرية ، صور بداخله كتابه أيضاً حياة هذه الناس على اختلاف حظوظهم من الثقافة، وعلى تفاوت بين الفقر والثراء، وعلى اختلاف طبقاتهم الاجتماعية، وبما اعتراها من أمر نفسها ،أو عند احتكاك هذه الجماعة بغيرها من صراع أو تدافع فرضته عليهم سنن الحياة ، أو تقارب سلمي عندما تمتزج وتنصهر الشعوب وتذوب في بعضها ، تقرأ أيضاً ما نتج عنه هذا الصراع ، أو حصيلة التقارب من فكر أو شعور، وبأي صورة دقيقة كانت أو ساذجة عبرت هذه الشعوب عن نفسها على مدار تاريخها كل ذلك تقرأه درساً تاريخياً لا تخلو من الاستمتاع به ،فأنت تتجول في ذاكرة الأمة العربية الإسلامية ،في كل ما أنتجته هذه الحضارة من علم وثقافة وفلسفة وشعر وعلم أصول الفقه وعلوم تفسير القرآن وتاريخ وسير ،وعلم أصول،و علم أصول الدين،ونقد أدبي وتاريخ، تجد كل ذلك يعد أن يرد شوقي ضيف كل كتاب لعصره ولمؤلفه والقاء الضوء عليه عليه وإبراز قيمته العلمية أو الفكرية أو الأدبية .

قد تنسى نفسك وترفض العودة مرة أخرى للواقع أو تؤجل هذه العودة فقد أظهر المؤلف بصورة دقيقة مفصلة وبشرح ممتع فلا تستطيع إلا أن تتعاطف مع هذه الجماعة من الناس ثم ترثي لها لما تتعرض لها هذه المجموعة من خطوب، ومحن، أو أن تشاركه أفراحها لما حققته من تقدم تصيب به من رغد العيش والتقدم الحضاري ، ومن مميزات هذه الكتب أنك تلتمس المؤلف بداخله فهو يعلن عن نفسه حتى تقف على عقله ونفسه وثقافته وتكوينه الموسوعي العتيد فهو مؤهل للخوض في هذا البحر الخضم المهول ، الهائل من ركام وتراث الأمة على مدى القرون الضارية في القدم تتعجب كيف رد المؤلف كل كتاب لعصره الذي كتب فيه وما تأثير الحياة السياسية المتمثلة في السلطة والاجتماعية التي دعت لتأليف هذا الكتاب أو المذهب السياسي الذي أثر أو املى على مؤلفه الذي يرده لجماعته التي نشأ فيها وتأثيرها عليه فالكاتب لا يعيش في فراغ هو ابن الجماعة يعبر عنها وهو أيضاً ظاهرة اجتماعية لكتابته يحصي كل شئء حتى تعتقد أنه بحث اجتماعي شامل لهذه الجماعة البشرية التي تمارس حياتها في رقعة من الأرض من أجل إصلاح خلل في طرق عيشها أو نقص كان سبباً في تخلفها إذا كانت هذه الجماعة أو القطر يعاني ولا يأخذ بأسباب الحضارة، أو أن يكون هذا القطر أو الجماعة نموذج للتقدم لما يتمت به رقي فكري ولأخذه بأسباب الحضارة وبما تطبع به للمجتمعات فالدكتور شوقي ضيف فهو من الثراء الفكري والمعرفي والثقافي الموسوعي مكان رفيع .
ومن ميزة هذه الموسوعة أنك تتجول معه في حدائق الثقافة والمعرفة الإنسانية الرفيعة من نثر وشعر والتحليل الثقافي بعد أن تعقدت الحياة الثقافية، بعد سذاجة فعبر الشعر والقصيد عن هذا التعقيد بداخل ابباته، وتعقد النثر أيضاً بعد بساطة، تستمتع بأسلوب شوقي ضيف وهو يتناول كل ذلك بالشرح والتحليل ، التعقيد كان نتيجة حتمية لمرحلة من من مراحل الثقافة واستجابة لمزج عدة ثقافات متباينة في التصور والعقيدة ونظم العيش بعد أن صهر وهضم الموروث الثقافي العربي كا هذه الروافد بداخل مجراه العربي الإسلامي الكبير ، فالتصور الاسلامي يتمتع بنظرة رحبة ولذلك هضم هذه الروافد الثقافية ليؤكد وحدة الحضارة الإنسانية.
لكل من أراد أن يعرف كل شئء عن الحضارة العربية الإسلامية عليه أن يقرأ موسوعة شوقي ضيف “تاريخ الادب العربي” أتمنى أن يحث هذا المقال عدد أكبر من الناس لقراءة هذه الموسوعة التي قرأتها فما فما فرغت قراءة تستحوذ على نفسي بتلابيبها، واعيش بداخلها غير راغب العودة مرة أخرى للواقع، مثل قراءة هذه الموسوعة، إلا وتمنيت أن افرغه في رؤوس الناس ليستمتعوا به ،ويستفيدوا منه كما استمتعت وكما استفدت ويضيفوا لعمرهم اعمار جديدة بالقراءة التي: تكون عقل, وتهذب نفس, وترقى بإحساس..

قد يعجبك ايضا
تعليقات