القاهرية
العالم بين يديك

أفضل ألا أفعل

456

بقلم سهام سمير

 

 هي جملة في قصة قصير للكاتب هرمان ملفل، تدور حول كاتب أو ناسخ يقوم بنسخ الوثائق لمحامى مع 3 من النساخ الأخرين.

 يبدأ بارتلبي وهو اسم الناسخ بالحماس للعمل ونسخ الوثائق المطلوبة منه، ثم لا يلبث أن يجيب بهذه الجملة على كل طلب يطلبه منه مديره.

 مر وقت والمحامي يحاول بكل الطرق أن يجتذب عامله (بارتلبي) للعمل دون جدوى.

 زاد على الأمر أن (بارتلبي) بعد وقت اعتزل، واتخذ من مكتبه في مكتب المحامي صومعة، لا يغادرها إلا إذا طلب منه ويخرج هادئا مجيبا بنفس الجملة!

“أفضل ألا ويكملها بكل الكلمات التي يفضل ألا يفعلها”

 الغريب أن بعد وقت انتشرت الجملة التي لا يتعمد أحد في المكتب قولها، لكنه أصبحوا جميعا يستخدمونها.

 أخيرا يصل المحامي لقرار، بالانتقال من هذا المكتب لأخر بعدما فشلت محاولاته في اخراج (بارتلبي) أو الاستغناء عن خدماته.

 لأن يفضل ألا يخرج من المكتب ويفضل ألا يذهب إلى أي مكان أخر.

 يستدعي مالك البناية وبعض المستأجرين المحامي باعتباره المسئول عن (بارتلبي) للتفاوض معه والخروج من البناية، لكنه يفضل ألا يفعل، فيخلصون إلى إبلاغ الشرطة التي اقتادته إلى السجن وهناك مضى بعض الوقت عليه ثم مات!

 اتخذ الأدباء وبعض المفكرين، وصفا على غيرهم من الكتاب الذين ينتجون انتاجا أدبيا واحدا أو اثنين بالكثير، أنهم (بارتلبيين)، أو يطلقون عليهم لفظة كتاب ال (لا) ..

 فيما استنتج البعض الأخر أن الجملة قد تصلح رد لكل من يشعر برفض عميق للعالم، ورفض للتغيير.

تلامس حالة (بارتلبي) معي بشكل خاص، أو ذكرتني ببعض ما مر بي في الكتابة.

الكتابة حالة، وتظل تلح عليك حتى تفرغ حمولتك من الحروف والكلمات على الورق.

هذا ما حدث بي في المرة الأولى، عندما نشر كتابي الأول، كنت في حالة ترقب وفضول لما سيحدث، أعتقد أن الخطأ الذي وقعت فيه أني عاملت الكتابة كحالة الحب، “حبك الأول هو حبك الأخير” وقلت في قرارة نفسي أني كتبت ما أردت قوله، وانتهى.

وحين نشرت كتابي الثاني كنت مدفوعة، باثبات أن الموهبة لا تنضب، وأن الكتاب الأول لم يكن نزوة لكنه حالة عشق، لكن الرغبة والمتعة التي تحدث للكاتب عندما يمسك بقلمه ويسطر على الورق لم تحدث.

سألتني صديقة: كتبت حلوة؟

لم أعرف بم أجيبها، الرد الدبلوماسي: “محدش بيشكر في نفسه” لكن السؤال وصلني: هل أنت راضية عما تكتبين؟

اعتقد أني راضية لكني لست مكتفية بما أكتب، ما لم أكتب أكثر بكثير.

وحينما أنرف بنفسي لأبحث وأتسائل: لماذا لا أكتب؟

أجدني أكتب بالفعل، لكن السؤال الأدق لماذا لم تواتيني شجاعة المرة الأولى لأنشر ما أكتبه؟

وبعد عدة تساؤلات، وجدت أني أخاف النقد، وأتجنب الوقوع في الخطأ، لا أرغب في التكرار، أريد التفرد والتميز.

كما أن مزاج البعض يميل لقراءة النصوص القصيرة، أو المقاطع الخفيفة المضحكة.

الفيسبوك لم يعد كما في السابق، وتستطيع أن تصل لمنشوارت أصدقاءك بسهولة، قد يمر يوم أو أكثر حتى تصادف ما نشروه.

لا أريد أن أسوق مبررات، لكني لم أتوقف يوما عن الكتابة، لكني أفضل ألا أنشر” أو كما قال “بارتلبي” والذي وقعت قصته بين يدي مصادفة.

ولأني أؤمن بالرسائل الربانية، فقد اعتبرت قصته ملهمة لي بشكل خاص.

وتحققت مقولة أؤمن بها، أن الكتب قد تحمل إجابات على أسئلة لم نسألها..

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات