القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

التعليم والنفق المظلم

431

بقلم / سامح بسيوني

بعد عناء يوم رجعت إلى بيتى أتنفس فيها الصعداء؛ فأخذت قسطا من الراحة، ودخلت غرفتى؛ أتحسس مشغل تكييفى وأسلمت رأسى إلى وسادتي، وذهبت فى نوم عميق٠
وفجأة استيقظت على شدة ظلام وارتفاع في درجة الحرارة؛ بسبب انقطاع الكهرباء٠
حينها ذهب فكري وعقلى إلى هؤلاء العلماء الذين أضاءوا لناس مصابيح العلم، والهداية للبشرية جمعاء٠
فها هو نيوتن بمجرد تفكير عميق عندما سقطت عليه تفاحة؛ فطرح على نفسه عدة أسئلة فاستطاع فى حالة تأمل،وتفكر أن يصل إلى قانون جاذبية الأرض التى استطاع الإنسان أن يتخطى حاجز الفضاء، ووفر الجهد والوقت والعناء على البشرية جمعاء ٠
العلم هو المصباح المنير والسراج المضيء؛ليكون لنا دليلاً ومرشدا في غيابات الجب والظلام٠

فها هو النبى- صلى الله عليه وسلم- كان يتأمل ويتفكر في الكون ينزل عليه الوحي يدعوه للقراءة فيقول له (أقرأ) وكأن الله يقول للبشرية جمعاء إذا أردتم معرفتى الحقيقة فعليكم بالقراءة٠
ونحن نستقبل عام دراسي جديد نأمل أن يكون فيه من الخير، والنماء لأبنائنا الطلاب والطالبات٠٠٠٠٠
فلابد أن نضع بعض المعايير من أجل أن ننهض بالناحية العلمية، وقبل أن نضع بعض الحلول للنهوض بالعلم؛ لابد وأن نعترف بأن التعليم فى الوقت الحالي في نفق مظلم يحتاج إلى يد العون، والنجاة ٠
فالفصول مكتظة بالعشرات من التلاميذ، والتلميذات ضجيج وصخيب ٠
فكيف بمعلم أو تلميذ يبدع في هذا الجو المليء بالمعاناة!

هكذا نسير في نفق مظلم، انفصال تام ما بين المعلم والتلاميذ٠
فنشفق على معلم كيف يستطيع أن يبدع وأمامه تلك الكثافة العالية من التلاميذ ٠
ويمتد الظلام وتأتي أكبر المعوقات والصعوبات في جيل اتسم بسوء الأخلاق، لا يرجون في معلميهم إلا ولا ذمة، ونسوا بأن المعلم اقترب بأن يكون رسولاً٠

ونبحر فى بحر لجى مليء بالظلمات؛ لأن المعلم فقد دوره الأساسى فى تربية العقول والنهوض بها؛
فليس له الهيبة والوقار كما كان في سالف الدهر والزمان٠
كان في الماضى صاحب هيبة، واجلال ووقار ليس في مدرسته فحسب بل في مجتمعه وحيه الذي يقطن فيه؛ تعظيما وتبجيلا للمعلم الأجيال٠

ياله من زمان غاب مع غياب الشمس ينتظر شروقا للعلم والعلماء!
ألستم معي بأن المعلم الآن في حيرة من أمره! وهو يقف مكتوف الحيلة واليد واشتدت عليه الرياح في عرض البحر، فجاءته الريح من كل جانب، واحيطت به خيبة الآمال٠

فالمعلم والطلاب والتلاميذ كلهم فى ورطة يتعلقون بأمل؛ من أجل يخرجوا من الظلمات إلى نور العلم ومصابيح الهداية، والنجاة٠

ولكى نخرج من تلك الورطة الحقيقة ويرجع لنا دور المدرسة من جديد لابد من إصلاحات أهمها :
أن نوفر الحياة الكريمة لهذا المعلم الذي يأن من غلاء المعيشة، وأن نحفظ له كرامته من ذل السؤال، والبحث عن دخل يعيد له كرامة العيش والحياة٠
أن نجعل للمدرس مساعدا داخل الفصل المكتظ بالمئات٠
أليس هذا حق مشروع له؟

فيكون له مساعدا مثله مثل الطبيب؛ فالطييب لا يستغنى عن التمريض٠
فأنا أرى أن هذا حق مشروع له؛حتى يستطيع أن يصل أعلى مستوى من الرقى والعرفان٠
ومن أن أجل أن نخرج من تلك الورطة لابد وأن تتبنى الدولة بإنشاء مدارس؛ من أجل أن نخفف من كثافة الفصول؛ فعندما يرى التلميذ نفسه فى فصل مؤهل، فهو الجالس على مقعد بمفردة أو على الأقل يجلس عليه اثنان، وليس بالعشرات بأن يجد الفصل وفيه مكيف يبرد له المكان؛ فعندئذ سيبدع المعلم، والتلميذ على أنغام تسعد بها الأيام٠

أشعر بالحنين الدائم إلى تلك المدينة الفاضلة، فهذا الحلم لا يفارق قلبي وعقلي، ولا يغيب ابدأ عن خيالي٠

أحن لتلك المدينة، وأنا أرى فيها المعلم وهو يقدر عقل من أمامه، فيتعامل مع تلك العقول، ويحترم إمكانياتهم ومدى قدرة استعابهم٠

أحن إلى معلم لا يهتم بالسعي وراء المكاسب المادية الزائلة٠

أحن وأشتاق إلى طلاب يدركون قيمة العلم، ويعلمون بأن العلم نور يزيل ظلام الجهل، وهو الذي يجعل المجتمعات تقدر قيمة الحق والفضيلة٠

أحن إلى طلاب يحبون تحصيل العلم, والاستفادة منه مهما كلفهم من تعب ومشقة٠

أحلم بجيل يكون قدوتهم العلم؛ فيجتذبون أمام ووقار العلماء، كما تنجذب الفراشات نحو الزهور الجميلة الخلابة٠

أحلم بجيل يشد الرحال لطلب العلم والعلماء؛ لأنهم يعلمون بأن الله رفع هؤلاء العلماء درجة٠(يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )
أحلم بجيل يترك اللهو، واللعب ويسعون بكل شغف وحب وانجذاب إلى طلب العلم ومحبة العلماء٠

أحلم أن يكون هناك ارتباط بين المعلم، وطلابه بحبل متين فيه من الاعتصام والوئام٠

أخيرًا أحلم بجيل يستعيدوا أمجاد الماضي ويصغون بكل حب وإجلال إلى أمير الشعراء وهو يخاطبهم
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا

واستيقظت من أحلامي على صوت ديك يوقظ النائمين ، وينادي عليهم ليوقظ هؤلاء الكسالى، ويقول لهم أشرق الصبح فهزوا النائمين٠
فمصركم تريد منكم جيلا قويا سالم البنية مقداما فتيا؛
يرفض الذل والهوان؛ لأنه يعلم بأن المذلة كتبت على المستضعفين٠
فهل من أمل أن نعود كما كنا في سالف الدهر ؟ ونقول للعالم :
وقف الخلق جميعا ينظرون
كيف أبني قواعد المجد وحدي

فهل من رجاء يعود بنا من جديد؟
ونخرج من ظلمات الغي، والضلال إلى نور الحق والضياء؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات