القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

نصر أكتوبر

592

 

بقلم د. محمد صلاح
مدير عام إدارة الزيتون التعليمية

 

لقد كانت المفاجأة وطريقة تنفيذها هو الأمر الشاغل للقيادة العليا للقوات المسلحة لفتره طويلة وقد نجحت القيادة في إيجاد أساليب إيجابية وسلبيه تتضمن تحقيق المفاجأة على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي واحد العناصر الرئيسية التي ساعدت على تحقيق المفاجأة هو إعداد خطة للتمويه الاستراتيجي في مصر وسوريا على مستوى التنظيم الرسمي ومن خلال التعاون بين العناصر المتعلقة بذلك.
فتم خداع العدو في ما يتعلق في احتمال قيام القوات المسلحة المصرية بعمليات هجومية في الوقت القريب. والحفاظ على السريه الكامله في ما يتعلق بالهجوم و التأكيد على سريه الموعد المحدد لبدء الحرب.
و اعتمدت فكرة الخداع الاستراتيجي على تواصل جهود وزارات الإعلام والخارجيه والحربيه ولقد بدا هذا التنسيق قبل بداية العمليات العسكرية بحوالي خمسة أو ستة أشهر لتنفيذ الخطه وإصدار التصريحات التي تخفي طبيعة الاستعدادات العسكرية المصرية للهجوم وهو الهجوم الذي سيتم خلال فترة وجيزه كما تم دعوة وزراء الحكومة المصرية لزيارة عادية لهيئة الأركان العامة المصرية لإطلاعهم على الجديد من الأجهزة المكتبية والحاسبات الآلية فليس من الطبيعي أن قيادة تستعد للحرب تضيع عدة ساعات في زيارة روتينية للاطلاع على الجوانب الإدارية .
كما أجريت بعض المحاولات لإيهام العدو بان الجيش المصري مستمر في التركيز على الأوضاع الدفاعية ورفع الكفاءه القياديه والتدريبات العاديه وتم دفع القوات الرئيسية من العمق إلى الجبهه قبل ثلاثه أسابيع من موعد بداية الهجوم وبتمويه من اعمال هندسية تتعلق بالمناوره وبدا القتال الفعلي في ذروه المناوره كما تم إعداد خطه خاصه لنقل معدات العبور من المؤخرة إلى الجبهة ونقل هذا النوع من المعدات إلى الجبهه يعتبر شهادة قاطعه على الهجوم لذلك شملت هذه الخطة تحركات كثيرة للوحدات من المؤخرة إلى الجبهه ومن الجبهه إلى المؤخرة وكذا تحركات بطول المنطقة حتى يبدو الأمر وكأنه تدريب على التحركات وقد شملت الخطه ايضا محاولات لتعبئه الاحتياط على فترات محددة على ان يتم استدعاء الجزء الاكبر من قوات الاحتياط في الفترة التي تسبق بداية الهجوم و قبل 48 ساعه من بدايه الهجوم تم انهاء استدعاء 20 الف فرد و قد اشتملت خطة الخداع أيضا على خطوط رئيسيه من الدعايه السياسيه بهدف خدمة خطة الخداع وقد تكللت جميعا بالنجاح .
وهذه الخطة تم تنفيذها أكثر من مرة خلال سنوات سابقة للحرب وكان آخرها إبريل ١٩٧٣ وفي كل مرة كانت إسرائيل تتخذ الإجراءات الخاصة باستدعاء الاحتياطي واتخاذ المواقع الدفاعية مما أرهقها وأعطاها إحساس أن مصر لن تحارب أبدا
ويمكنني القول أن خطة الخداع الاستراتيجيه والتكتيكيه حققت نجاحا ساحقا لدرجة ان أجهزة المخابرات العالمية وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استخلصت نتائج خاطئه و فوجئ العالم كله بالهجوم المصري السوري ليبدأ العبور نحو النصر و محو آثار الهزيمة .
وكان الوقت المحدد لعبور الموجه الأولى من المشاه هو الساعه اثنين ونصف ولكن كان هناك الكثير من المهام الأخرى التي يجري تنفيذها قبل ذلك ولعل أهم هذه المهام هو قيام قواتنا الجويه بتوجيه ضربه إلى مطارات العدو ومراكز قيادته ومناطق تجمع المدفعية في سيناء وقد اشترك في هذه الضربه الجويه أكثر من 200 طائرة عبرت خط القناة على ارتفاع منخفض جدا يكاد يلامس الساتر الترابي للعدو ثم عادت جميعا بعد تنفيذ المهام المطلوبة منها في توقيتات معينة وارتفاعات معينة تم ترتيبها مع قادة الدفاع الجوي والمدفعية عدا خمس طائرات أصيبت ولم تتمكن من العودة و بمجرد عبور القوات الجوية لخط القناة بدات المدفعية في عملية القصف التحضيري المكثف على مواقع العدو شرق القناه ٤٠٠٠ مدفع ضربت بواقع ١٧٥ قذيفة في الدقيقة وفي الوقت نفسه تسللت عناصر استطلاع المهندسين وعناصر من الصاعقة إلى الجانب الشرقي للقناه للتأكد من أن المواسير التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة والتي تم إغلاقها قبل العبور بيوم لا تزال مغلقة ولا تعمل وبينما كانت تلك الأعمال تتم بنجاح كان الجميع ينتظرون نجاح الموجة الأولى لعبور المشاه. حيث ان ذلك هو الذي سيحدد مصير المعركة.
وبالفعل نجحت الموجه الأولى من المشاة في عملية العبور تحت شعار الله أكبر ليصل ٤٠٠٠ رجل من جنودنا إلى الضفة الشرقية للقناة يركبون ٧٢٠ قارب مطاط وقاموا بفرد سلالم الحبال وتثبيتها على الساتر الترابي ( ١٤٤٠ ) سلم ليحتفلوا بهذا النصر بالسجود لله عز وجل وتقبيل رمال سيناء .
بدأت طائرات العدو في الظهور الساعة الثالثة حاولت ضرب القوات المصرية ودخل معه دفاعنا الجوي في معركة أسقط منها ٧ طائرات
وتلى ذلك عبور الموجات التالية للمشاة بأقل الخسائر وفي توقيتات تتطابق تماما مع التخطيط لسير المعركة.
و في السادسه والنصف من يوم 6 أكتوبر كان قد عبر إلى الشاطئ الآخر 2,000 ضابط و 30,000 رجل من خمس فرق مشاه واحتفظوا بخمسة رؤوس كباري قاعده كل منها تتراوح بين 6 و8 كيلومتر وعمق كلا منها يتراوح بين 3 و 5 كيلو متر . وكان المهندسون ما زالوا يعملون بجد في فتح الثغرات في الساتر الترابي ولكنهم لم يكونوا قد انتهوا بعد من هذا العمل وبالتالي لم تكن لدينا دبابات أومركبات على الجانب الآخر في ما عدا اللواء البرمائي الذي عبر البحيرات المره. في قطاع الجيش الثالث. وقد بدا يعمل في عمق العدو وكان عبارة عن 120 دبابة برمائيه و 80 مركبه برمائيه بالإضافة إلى ذلك فقد كانت هناك أعداد أخرى من المركبات البرمائية التي عبرت بحيرة التمساح وهذه الدبابات ليس لديها قدرات عسكرية كبيرة وكانت مهمتها مهاجمة الأماكن الإدارية للعدو .
وفي تمام الساعة السادسة والنصف تم فتح أول ثغرة وتشغيل أول معدية في قطاع الجيش الثاني وخلال ساعة واحدة تم فتح المزيد من الثغرات وبالتالي بدأ تشغيل المعديات التي اخذت تنقل دباباتنا إلى الشاطئ الآخر بأعداد محدودة وفي الساعه الثامنة والنصف كان قد تم بناء أول كوبرى ثقيل على القناة وفي الساعة عشرة ونصف كان قد تم بناء سبعة كباري ثقيلة وكانت الدبابات والأسلحة الثقيلة تتدفق نحو الشرق مستخدمة سبعة كباري ثقيلة و31 معدية . ومع آخر ضوء يوم ٦ أكتوبر تم إنزال قوات من الصاعقة المصرية في عمق سيناء باستخدام المروحيات لمواجهة تقدم قوات الاحتياط الإسرائيلية المتوقع قيامها بهجوم مضاد إنها لوحة عسكرية متكاملة أبرزت القوة والقدرات العسكرية على مستوى التخطيط الاستراتيجي وتدريب الجنود للاستعداد للمعركة وانتهى اليوم الأول بخسائر أقل من المتوقع ونتائج متقدمة أذهلت العدو وأفقدته اتزانه .

قد يعجبك ايضا
تعليقات