القاهرية
العالم بين يديك

تركته يرحل

247

بقلم رانيا ضيف

بدت الحياة دوما كمحطة سفر؛ مكان للقدوم والوداع واستراحة يقضى بها الناس وقتًا قبل الرحيل..

كان قدرى يومها وداعا صامتا بلا مناقشات ولا مناوشات ولا شيء سوى اقتناء الألم الذى سيصاحبنى فترة لا بأس بها. سلمت عليه وقد دعوت ألا تظهر رعشة قلبي ونواح روحي فيضيع كل مجهودي في ارتداء قناع البرود الذي أعددته له مسبقا.

لا أريده أن يحظى ولو بلحظة انكسار تهرب من عيناي خِلسة فيضيع كبريائي هو الآخر على أعتاب من لا يستحق.

أربكه كثيرًا برودي حتى رأيت نظراته مبعثرة مثل كلماته تماما، وحركاته سريعة تفتقد للكثير من الاتزان.

هذا ما أردته بعناية؛ أن أرى نظرات الاندهاش والارتباك والخجل تتدافع لتكسو وجهه، ولم أتفوه بكلمة، إنما تركت له غموض اللحظات الأخيرة!

رحل هو من المكان ورحلت أنا من المكان والزمان معًا، كأنني شبح أو طيف خاوٍ من الروح والحياة!

لم تكن لحظات فراقه مؤلمة بقدر ما آلمتني الحياة بغيابه، لكنني لم أجد غضاضة فى استكمال حياتي بعدما أراد الرحيل طوعا!

ما آلمني أن قلبي تحجر، وكأن عشقه كان المياه والدماء لقلبي!

فكيف لي أن أحيا وقلبي متيبس، خشن، لا يلين ولا يهدأ؟!

أصبحت حياتي باردة، جادة وتولى عقلي القيادة وظل قلبي مسلوب الإرادة لا يثق فى ذاته، لا يحاول أن يمنح نفسه فرصة أخرى.

فقد قلبي رغبته فى الحياة ولا يدري كيف الرجوع لحالته الأولي-ما قبل العشق –

عشت حياة مليئة بالأحداث؛ أفراح وأتراح، وبَقي قلبي جانبا يشاهد من بعيد!

لم أحظ بحضوره مرة!

كدت أُجن، كيف لي أن أرمم ما تحطم؛ عَلني أحيا من جديد؟!

هل سأعيش الحياة بين نجاحات وإخفاقات بقلب غلبه التيه وكأنه ثمل؟!

اشتقت لدقات قلبي المتلاحقة عندما أفرح بل اشتقت أيضا لأنينه حينما يحزن، فأنا لا أطيق هذا السكون؛ الذي يشبه سكون الموتى.

حزن قلبي على فراقه أكثر مما ينبغي!

ومرت سنوات..

قابلته صدفة، نعم؛ إنه هو!

يقف هناك لا يراني، ووقفت حائرة هل أواري قلبي وأمضي، أم أنتظر سهما آخر؟!

هممت بالرحيل وتسارعت خطواتى، لأجده قبالتي يستوقفني، ولأول مرة منذ سنوات عدة  تقع عيناي على عينيه؛ قفز قلبي من محله في مشهد أشبه بإحياء الموتى!

قد يعجبك ايضا
تعليقات