القاهرية
العالم بين يديك

بوكر تى الصغير

164

 

بقلم /خلود شريف

دائما ما يكون المشهد كبيرًا جدًّا، دائما أيضا تكون معظم تفاصيله لا تعنينا على الإطلاق.

كنت أجلس دائما أفكر فى كل أبعاد المشهد، كيف سيترك من هم فوقى انطباعا عنى عند رؤسائهم، و كيف سيشكو المستجدون لا محالة من تقصيرى فى تعليمهم؟
أما بالخارج فيقف ولي أمر الطفل ينتظر هفوة لنترامى بالشكاوى، و مهما بذلت فأنت مستنزف و ملوم، يبدو المشهد سيئا جدًّا.

يجلس وسط هذا المشهد طفل صغير على كرسى الغسيل يتحدث إلى أناس غير موجودين، ينفض أشياء من على ملابسه ويصرخ بشدة محاولا إنهاء الجلسة: ينزع كل ما هو متصل بجسده، يتحدث أحيانا عن خوفه من الموت و أحيانا عن رغبته الشديدة فى قربه.

كان عليّ تهدئته لثلاث ساعات أخرى لإنهاء الجلسة، و كانت أجمل ثلاث ساعات قضيتها متحدثه مع طفل عن هلاوسه. كان يمسك بيدى مستمدا منى أمانا لا أملكه.
ويمدنى باستعداد على أن أجرب كل ما لا أستطيع بعد من أجله، أن أتقبل أن أؤذى لأجله وهو درب من الحب خاص بالبالغين..

يبذل البالغون الكثير لأجل صغارهم، يبذلون أكثر فى عدم إشعارهم بذلك، ثم يبذلون الأكثر و الأكثر فى إيهامهم بقدرتهم على المستحيل.

ينتهى يوم العمل الشاق بحديث مع طفل عن حلمه فى أن يكون مصارعا و كيف صار الحلم مستحيلا بعد مرضه، لكنه يتابع المصارعين عن كثب ويحفظ أسماءهم و أمجادهم ويمارس هوايته سرا مع أصحابه.

ينظر إليّ و يخبرنى أن الأمر لا يحتاج أكثر من قلب لدخول المصارعه و تقبل كل ما سيحدث و تقبل الهزيمة و النصر، إنه يحتاج فقط إلى قلب -قد كان هذا نص حديثه!

دخل «بوكر تي» الى الحلبة، و احتدم الصراع واشتعل وهو يبتسم ويتابع مهتما شغوفا.
تذكرت نداء محمود درويش الشهير للحب:

«يا حب لا هدف لنا الا الهزيمة فى حروبك فانتصر أنت انتصر و اسمع مديحك من ضحاياك، انتصر سلمت يداك، و عُد إلينا خاسرين وسالما.»

«إننا سنؤذى فى هذه الحياة لا محالة، لكن لدينا بعض القول فى اختيار ما سنؤذى لأجله، و أنا أحب اختياراتى.»
-جون جرين

قد يعجبك ايضا
تعليقات