القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

سقراط شهيد الكلمة

228

بقلم سهام سمير
يقرن العامة الفلسفة بالثرثرة ووجع الرأس الصداع بمعنى أدق، لكن الفلسفة في أثينا ارتبطت بالسياسة كثيرا..
أو قل أن السياسة هي من اقتحمت مناحى الحياة كافة، وأصبح فصلها عن الدين أو فروع العلم المختلفة أمرا يبدو في ظاهره سهلا، يحمل في باطنه الكثير من الصعوبات..
وفي هذا الكتاب الذي لا تتععدى صفحاته المائة ورقة، يوجز لنا الكاتب لكن بعمق ودسامة حياة سقراط، منهجه ومحاكمته حتى نصل لموته اعداما أو انتحارا، لن يشكل المسمى فارقا كبيرا فقد اعتبره أتباعه ومحبوه، شهيدا، كان بامكانه أن يبريء ساحته لكنه أثر التمسك بمبادئه وقيمه وتعاليمه التي تركها إرثا للبشرية جميعا.
ولد سقراط لأب نحات وأم قابلة، وتعلم منهما منهجه في التهكم والتوليد، لم أجد رابطت بين التهكم في منهجه ومهنة والده، لكنه حكى أنه سأل والده كيف ينحت بهذه الدقة وكل هذا الجمال، فأخبره والده أنه لينحت قطعة جميلة ينبغى عليه أن يراها مدفونة تحت ركام الأحجار ويبدأ في نحتها حتى تظهر..
أما عن مهنة أمه فقد تعلم منها الصبر واستقبال المولود الجديد، وهو ما اتبعه مع مجادليه في النقاشات التي كان يبدأ فيها بتبني أرائهم ظاهريا ثم تفنيدها فيظهر مدى سطحيتهم ومن ثم يولد حلولا وأفكارا جديدة.
كعادة المجتمعات، يقابل كل جديد بالرفض، جاء سقراط مختلفا ومغردا خارج سرب السوفسطائين الذي لم يعجبهم منهجه وكشفه لمدى خوائهم الفكري، فتآمروا عليه للتخلص منه، وأسهل طريقة وتهمة للتخلص من مفكر هو اتهامه بالكفر والزندقة والالحاد، وتأليب وافساد الشباب، نوَع وعدد السوفسطائيون التهم التي كالوها ل سقراط، وكثرة التهم دلت على مدى غلهم وحقدهم عليه وعلى التفاف الناس من حوله خاصة الشباب.
سقراط كان كثير السؤال قليل الاجابة، وعلى الرغم من وجود الاجابات التي يرغب فيها في القواميس والمعاجم، إلا أنه كان يريد أن يصل لعمق المعنى وخلاصة التجربة الإنسانية.
في هذا اختلف وبرز منهجه عن السوفسطائيين الذي تبنوا منهج الجدال بلا هدف، والاغراق في التفاصيل والخواء الفكري والسطحية والمباشرة في الأسئلة والأجوبة. فلم تكن غايتهم من الجدال سوى تفريغ العقول، فيما هو كان يرغب في ملء هذه العقول بالمعرفة والحكمة والوصول للحقيقة..
يقول أرسطو عن سقراط: ” لم يهتم سقراط بالطبيعة بمجملها، وإنما بالمشكلات الأخلاقية، وكان أول من قاد الفكر نحو التعريفات”
فيما يطالعنا زينون بقوله: ” إن سقراط ليس فقط يدعو للاعتدال ويشجع على بلوغه من خلال وصاياه ومبادئه، بل بسلوكه وكونه قدوة لهم”
اذن الفضيلة هي غاية سقراط، وفي هذا كان سقراط سببا وأفضت النتائج إلى أفلاطون.
إعدام سقراط
ما أودى لإعدام سقراط لم يكن لحظي وبين يوم وليلة، لكنه نتاج مؤامرات وليالي طويلة، حيكت فيها الدسائس للتخلص منه، وذلك لأن عداواتهم له كانت تزيد مع ممارسته لفضائله عمليا وليس مجرد التفوه بها.
أما عن قائمة التهم فقد ذكرتها سابقا، وأما عن الدفاع فلم يتعمد سقراط الدفاع عن نفسه بل تكلم بمبادئه التي يؤمن بها والتي جعلت الناس يدافعون عنه وينفون عنه تلك التهم الزائفة، لكن القرار كان معدا سلفا باعدام سقراط ولن يفرق معه كلمات تقال هنا أو هناك!
حياة سقراط لخصها تلاميذه في جملة، أن سقراط كان رمزا للفيلسوف الذي يقول ما يفعل ويفعل ما يقول ويرتبط لديه العلم بالسلوك.
أما سقراط نفسه فقال: “إنه لخير لك ألف مرة أن تكون سقراط تعيسا شقيا من أن تحيا خنزيرا قانعا سعيدا”
أما الأكثر دهشة في الكتاب، موقف سقراط الأخير حينما عرض عليه الهرب قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه، لكنه رفض رغم غض الطرف من الدولة نفسها عن خطة الهروب، التي جاءت لتجمل وجه الديمقراطية القبيح الذي تدعَيه الدولة، تجاه سقراط، لكنه أرسى مبدأ من مبادئه بقبول حكم الإعدام احتراما لقانون الدولة، طالما ارتضيت به وكونك تعيش في هذا الوطن لزاما عليك أن تحترم قوانينه.
قرأت كتابا ثريا ورغم صغر حجمه إلا أنه قدم سقراط بحب وحوى أغلب ما تحتاج معرفته عن هذا المفكر العظيم.
قراءة في كتاب سقراط للكاتب د.محمد ممدوح

قد يعجبك ايضا
تعليقات