القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

محمد النفس الزكية مناقبه حياته، ثورته وكيف قُتل؟

129

كتب _ حمادة توفيق.

ثورة النفس الزكية.
شكلت مأساة كربلاء صدمة كبيرة للعالم الإسلامي، فانبرى يطالب بالثأر من الحكم الأموي، الذي تجاوز كلّ القيم الدينية والأعراف الإنسانية، وانطلقت الثورات من الكوفة والحجاز لتربك السلطة وتضعف الدولة، وشعر الأمويون بالخطر، واستنفروا لتدارك المأزق، فرأوا أن الحلّ يتطلب القوة والقسوة، فاستعانوا بعناصر حاقدة لا تخاف الله تعالى، ولا تلتزم بمبادئ وقيم، أمثال “الحجاج بن يوسف الثقفي”، الذي مارس سياسة الظلم والقهر وسفك الدماء، هذه السياسة العنيفة التي مكّنت الأمويين من إخماد جذوة الثورة مرحليًّا، ودفع الثوار إلى العمل السرّي، فشكلت جبهة معارضة، استطاعت أن تستقطب كلّ الفئات المناوئة للسياسة الأموية: ( العلويون، العباسيون، الزبيريون، الفرس، المسلمون المؤمنون).
وأنا سوف أتناول التاريخ الدموي للحجاج شرحًا وسردًا وحياته المليئة بالأسرار في سلسلة مستقلة قريبًا.
المهم أن زعماء العباسيين تمكنوا من قيادة الجبهة بمكرٍ ودهاء، دون إثارة حساسية أي فريق، فماذا فعلوا يا تُرى؟
ـ ألهبوا مشاعر الفُرس، من خلال التركيز على السياسة العنصرية التي اتّبعها الأمويون ضد الموالي.
ـ حركوا إيمان المؤمنين من خلال فضح سيرة الخلفاء الذين شوهوا صورة الخلافة بانحلالهم الديني والخُلُقي والسلوكي.
ـ أثاروا عواطف العلويين من خلال مجازر الأمويين في كربلاء والمدينة ومكة بحق آل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وأنصارهم.
وفي الوقت ذاته، حرصوا على إخفاء نواياهم، فلم يجاهروا باسم القيادة، بل تركوا الدعوة إلى « الرضا من آل محمد » كشخص مجهول يمكن أن يتبّناه أي فريق، ولكنهم استطاعوا كسب ولاء الشخصيات العسكرية أمثال أبي مسلم الخراساني وأبي سلمة الخلال.
وكان من أبرز القيادات التي كانت تحكم الواقع:
ـ الإمام جعفر الصادق عليه السّلام الذي كان يؤيد أي تحرك يسقط الحكم الأموي الظالم، ولكنه لم يشارك فعليًّا في المعركة، لأنه كان يعلم سيطرة العباسيين على كل مواقع التحرك، والنتائج السلبية التي ستؤول إليها المشاركة.
ـ محمد بن عبدالله بن الحسن، وقد وعده أبو جعفر المنصور بها، لذلك قدّم كل إمكاناته لدعم المعركة.
ـ أبو العباس السفاح وأخوه أبو جعفر المنصور اللذان استطاعا أن يكسبا المعركة، ويصلا إلى القيادة.
(محمد النفس الزكية) يعلن الثورة:
في سنة 132هـ حصلت المعركة الفاصلة، وهُزم الأمويون، وحان قطاف الثمر، فالتفّ العباسيون على الجميع بسرعة، وأعلنوا ـ في الكوفة ـ أبا العباس السفاح خليفة، ووضعوا مختلف القيادات أمام الأمر الواقع.
محمد بن عبدالله (الملقب بالنفس الزكية) استاء من هذا التجاوز، ولم يعترف بشرعية خلافة السفاح، ولكن أجواء النصر الذي كان هدف جميع الناس، حال دون فعالية معارضته، ففضّل التريّث قليلًا حتى ينجلي الموقف بهذا الجو، وتنكشف النوايا.
وفي هذا الوقت انصرف العباسيون إلى تصفية جيوب المقاومة الأموية، ثم إلى وأد ثورة عمهم “علي بن العباس”، ثم إلى التخلص من القيادات التي أخذت تشكك بهم أمثال: أبي سلمة الخلال وأبي مسلم الخراساني.
هنا رأى النفس الزكية الفرصة ملائمة لإعلان الثورة في الحجاز، فأخذ يندد بسياسة العباسيين الذين اغتصبوا السلطة، وغدروا بأصدقائهم، وتجاوزوا كل وعودهم، فاكتسب بذلك تأييدًا شعبيًّا كبيرًا، وقد ساعده في هذا مكانته التي كانت تستقطب الاحترام والثقة، خاف أبو جعفر المنصور من تفاقم ثورته، فاستنفر كل أجهزته للقبض عليه، فلم يصل إلى نتيجة، لأن محمدًا توارى عن الانظار خوفًا من أن تُجهض حركته في مهدها، اجتهد المنصور في طلبه، معتمدًا وسائل الترغيب والترهيب والحيلة.
ثم بدأ الحكم العباسي يطارد النفس الزكية، ففي سنة 140هـ قدم المنصور إلى المدينة، وجمع بني هاشم، وأظهر لهم مودّة ومحبة، وقدّم لهم الهدايا، ثم اختلى بكل واحد منهم، يسأله عن النفس الزكية، فكانوا يعتذرون إليه ويستعطفونه ويقولون له: « يا أمير المؤمنين قد علم أنّك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل اليوم، فهو يخافك على نفسه، وهو لا يريد لك خلافًا ولا يحبّ لك معصية ».
وحينما يئس من بني هاشم، توجه إلى « عبدالله بن الحسن » (والد النفس الزكية) بمظهر الحمل الوديع، يتودد له، ويظهر له بأنه لا يضمر إلا الخير لأولاده، فقال له أثناء وليمة أقامها لبني العباس: « يا أبا محمد، محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي، وإني لأحب أن يأنسا بي، ويأتياني، فأصلُهما وأزوجهما، وأخلطهما بنفسي».
أجابه عبدالله: « وحقك يا أمير المؤمنين ما لي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا عن يدي ».
وعندما أفلس من الوسائل السلمية الخادعة، لجأ إلى وسيلة الترهيب، فاستدعى « عبدالله بن الحسن »، وخاطبه بغضب: أين ابنك؟
أجابه: لا أدري.
قال المنصور: لتأتيني به!
قال عبدالله: لو كان تحت قدميَّ ما رفعتهما عنه.
فأمر المنصور بالقبض عليه وسجنه مع أسرته، ثم شدّد على المدينة « زياد بن عبيدالله الحارثي » بملاحقة « محمد النفس الزكية » بأيّ وسيلة.
ويبدو أن هذا الوالي لم يشأ مجاراة المنصور في سفك دماء بني هاشم، فتجربة كربلاء لا تزال ماثلة في ذاكرته، فقد ورد أن النفس الزكية حضر مرة إلى المدينة، واجتمع به زياد، ونصحه بالهجرة إلى بلاد أخرى.
ويذكر أن المنصور علم بموقفه، فأمر بالقبض عليه ومصادرة أمواله، وعزل رجاله وأنصاره، وأثناء اقتياده إلى السجن قال: « والله ما أعرف لي عند أمير المؤمنين ذنبًا، غير أني أحسبه وجد دماء بني فاطمة علَيَّ عزيزة ».
ـ وأخيرًا لجأ إلى الحيلة، فكتب رسالة على لسان أنصاره، موجهة إلى النفس الزكية، يطلبون منه الإسراع في إعلان الثورة، وقد حمل الرسالة رجل إلى عبدالله بن الحسن في سجنه، فأطلعه هذا على مكانه، وكادت الخطة أن تنجح لولا أنّ كاتبًا شيعيًّا للمنصور أعلم عبدالله بالأمر، فتدارك الموقف وأفشل الحيلة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات