القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الحب أكذوبة صادقة

162

بقلم _سالي جابر

جملة بالغة الأسى يقع أثرها في النفس بين علاقة الرجل بالمرأة… ويبقى سؤال مُلح يرجونا الإجابة عنه: هل عندما نحب نتخلى عن مبادئنا ونغمض أعيننا عن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في ظهيرة الصيف؟
هل عندما نحب نتقبل شخص بعيوبه، ونود منه ذلك للدرجة التي تمكننا من لومه إن لم يحبنا رغم ذلك العيب؟
هل يفهم كلاهما شخصية الآخر للحد الذي يمكنه من ذلك؟

المرأة والرجل يختلفان في كل شيء، وجه المقارنة الوحيد بينهم هو أنهم كائن حي، إنسان له قلب وعقل وجسد؛ لكن الاختلافات بينهم شتى، إذا تعلمها الإنسان أزاح ستار الخوف والحزن عن قلبه، وعاش راضيًا عن حبه.

في رواية لا سكالا للروائية نور عبد المجيد ذكرت عن أحد أبطالها عصمت:” أكان صعبًا عليها أن تتفهم زهده في العمل، أكان لزامًا عليه أن يطحن روحه وعقله في أكاذيب فقط لكي يصبح رجلًا عاملًا؟!
قبل بها راقصة هاربة متهمة في جريمة قتل قد لا تكون منها بريئة بينما لفظته واحتقرته لمجرد أنه كان معها ومع نفسه صادقًا.
يريد أن يحيا في اللهو والحب، فما الخطأ إن كان يملك ثمنها؟ حتى ابنته يشعر أنها لا تحترمه.

عصمت الذي تخرج في كلية الحقوق، لكنه لا يفضل الوقوف في ساحة القضاء، وكتابة المذكرات وتحضير المرافعات. ومقابلة رجال مجرمين، أن يفعل المستحيل كي ينقذ قاتل هارب من حكم إعدام، أو تاجر مخدرات ليأخذ مؤبد مع الشغل والنفاذ، لم يكن يحب هذا … هو فقط يريد العبث بمال والده، ولقاء النساء. وكأنه يقول:” طالما لديكِ ما يكفيكِ من المال للحياة والتنزه والطعام والشراب، طالما تعيشين حياة زوجية جيدة، لِمَ تريديني أعمل، لا أحب العمل، ما ينقصك لذاك التذمر؟
كذب على زوجته بأنه يعمل، وحينما علمت كذبته وأنه أيضًا يمد يده إلى أخيه الذي يدير الأرض والمال، كرهته وسقط من عينيها كدمعة حائرة أطالت الهبوط على أدراج وجنتيها.
والأسوء من هذا أنه أفشى سرها بكونها هاربة من جريمة قتل، وأنها راقصة باليه تتعرى في زي الرقص تلتقطها أيادي الرجال.

ما ضير الرجل عندما يوافق على الزواج من امرأة علم ماضيها، وقصت عليه كل ما فات، بل وتعرت نفسيًا أمامه لأنها وجدت فيه الأمان
الأمان…كلمة أصبحت ثقيلة في ذكرها على مسامعنا، الأمان ليست يد تربت على الكتف فقط، أو كلمة حانية ليلة حزن دامس، الأمان هو أن نجد من نحب بجوارنا سند وضهر، لا يهرب من المواجهه أو الوقوف لحمايتنا، الأمان هو الوجود، الراحة، السند، الحماية من النفس إن لزم الأمر، أن تاتيك أنثاك عابسة خالية من الأمل، منطفئة تريد يد حنونة بجانبها فتجدك ممتليء بها .

وعصمت كان ضعيفًا، خائفًا من لحظات غضب أخيه، يُقبل يده، يأخذ منه شهريًا النقود التي تكفيه، عصمت كان يرى أن ذلك نصيبه من أرض والده، بينما بهجت- أخيه الأكبر- كان يعطيه مالًا وفيرًا حتى لا يتدخل في أمر الأرض، كان يعاني كثيرًا في طفولته من تدليل عصمت على حساب طفولته، تذليل الصعوبات لعصمت بينما هو لا، وبقيت تلك المعاناه شمعة تحترق داخله كلما اقتربت من الانطفاء قامت الذكريات بإعادة الفتيل إلى صورته الأولى، وبقيت الدائرة تدور…الذكريات تترنح أمام عصمت القوي لتصفع بهجت المدلل برجولته ليخضع لأخيه، فيسقط من عيني زوجته، وتهرب منه.
هربت منه الزوجة وتركت له ” يُسر” ابنتهما صورة مصغرة منها، كبرت بدمعاتها على وجنتيها ولا ترى سوى صفعة عمها بهجت لها أمام ناظري والدها، فأدركت ضعفه وقلة حيلتة، وأدرك هو ذلك حين قالت له ابنته يسر:” لم تترك لي شيئًا أريده أو أطلبه منك!!”

أسوأ ما يحدث في الحب أنه أصبح حربًا نفسية باردة بين طرفين المنطقي أن يمنحهما الحب كلمات ولحظات سعادة تجعلهما يطيرا فوق السحاب؛ لكن أصبحا يسيئان لبعضهما البعض، فحينما أتقبل عيوبك أُذكرك بها دائمًا حتى لا تتركني وترحل عني، تراني دائمًا أمام عينيك أذكرك كم أنت ممتليء بالعيوب ورغم هذا أحبك، وهذا يمنح المحب القوة والسيطرة على حبيبه، والحبيب الضعف ليكون خاتمًا في إصبعه.
أسوأ من في الحب؛ أن أترك وطني لتكون أنت موطني أحتمي بحبك وأنام بين كفيك فتخذلني وتعتبرني قلبًا ترك وطنه من أجلك.
أن ترى في الاهتمام ضعفًا، وتأخذ من الحنية الحق المكتسب دون أن تسأل نفسك لِمَ كل هذا القدر من الحب؟!
يا عزيزي الأنثى حينما تحب تضحي بكل شيء إلا أنت، وعندما تخذلها وتكذب عليها، تسقط من عينيها، فتضحي بك مقابل كرامتها التي هي لها كل شيء.
وهذا ما لا يعيه الرجال، وهذا ما جعل عصمت يخسر زوجته أوليجا وابنته يُسر، ويموت بجرعة زائدة على يد إحدى الغانيات.
الحب هو السند الحقيقي إن كان صادقًا، دون حروب باردة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات