القاهرية
العالم بين يديك

العقارب 2

359

بقلم / مايسة إمام

فٌتِحَ باب الغرفة ليبزع قبس من القمر يمثله وجه رقيق وضاء تزينه لؤلؤتان عسليتان وثغريفوح منه المسك
حين يبتسم ،إنها (صفا ) الشابة الفقيرة
التي تتابع شئون المنزل وتقوم على متابعة مواعيد الدواء والطعام وتمارس معه هواية القراءة التي يعشقها تقول :
أعتذر، سامحني …… تذكرت دواء حان موعده قبل مغادرتي وكدت أنساه
وحين اقتربت من الفراش أفزعها احتلال العقرب لجسد بِشر فصرخت وهي تتناول أحد الكتب التي استوطنت المنضدة
بجانب الفراش وتقول : أيها الخبيث ماذا جاء بك إلى هنا فلتذهب للحجيم
طرحته أرضا ثم هوت بالكتاب فوق جسده النحيل الخطير يسحقه سحقاً، تتسرب إليها الراحة والطمأنينة عند سماع
صوت أزيزه الكريه وهو يتلاشى تدريجيا

ثم أسرعت نحو( بِشْر) واللهفة تملأ عينيها وتفوح من نبرات صوتها : أأصابك مكروه ؟ أأستدعي لك الطبيب ؟
ولكم كانت سعادة بِشر بما لمح في عينيها من لهفة وحب حتى أنه بات يدين بالشكرلذلك العقرب الذي أتاح له هذه
المتعة الآنية السريعة ، إلا أنه قد آل على نفسه ألا يعلق نفسه بأمل ضائع فجعل مشاعره بصندوقه الأسود وأحكم غلقه
و ابتسم ساخراً : كدت أفتك به ياصفا ، لقد أنقذته من بين يدي

علت ضحكاتهما الطفولية البريئة تزيل رائحة الموت التي سادت الغرفة وتعيد إليها الحياة ، والعيون تفصح عما
يعجز اللسان عن قوله . ثم قالت صفا مستنكره : كيف تسلل هذا الخبيث إلى هنا ؟!
أنا و(بحر ) الطاهي لا نغادر المنزل حتى نتأكد من غلق كل النوافذ والأبواب والعم عابد يرافقك كظلك فكيف حدث هذا؟!

بشر بهدوء : الحذر لا يمنع قدر …. والحمد لله جئت في الوقت المناسب ،وهكذا صرت مدينا لك بحياتي وإن
كانت حياة بلا قيمة
صفا والخجل يكسو ملامح وجهها الجميلة : بل تساوي حياتك الكثير وهي أثمن مما تتخيل واستدارت لتغادر المكان
بشر : من فضلك استدعي ( عابد ) قبل رحيلك ولا تتأخري غداً فربما فكرأهل المرحوم في الثأر له وهو يشير للكتاب الملقى على الأرض فأومأت بالموافقة وهي تبتسم

( عابد ) هو الذراع الأيمن لوالد ( بشر) رحمه الله ، وهو الذي لم يتخل عنه بعد وفاة والديه في حادث سيارة وهوعلى يستقبل عامه الحادي عشر ،حادث أليم حرمه والديه وحرمه كذلك بهجة الحركة والنشاط وقفزات الصبية ممن هم في مثل عمره حيث أصيب بالشلل التام وعدم القدرة على الحركة إلاعن طريق مقعد مجهز لمن هم في مثل حالته
سقطت هيبة الثروة وسلطة المال وأعلنا استسلامهما أمام قبضة المرض الحاكمة ولم يستطع كلاهما أن يجدا له علاجاً
شافياً ، الأمر لم يتجاوز عدة عمليات جراحية وعقاقير وجلسات علاج طبيعي للحفاظ على استقرار الحالة وعدم تدهورها

حمل عابد وصية الأبوين بكل إخلاص وتفاني بل أنه اعتبر ( بِشر) ولده الذي لم يخرج من بين صلبه وترائبه واعتبره
( بشر) ظل أبويه ، عيناه اللتان يرى بهما العالم خارج أسوار المنزل ، وقدماه اللتان تجوبان الأرض من أقصاها
لأقصاها ، لقد كان عابد دنيا بِشر التي لم يعرف سواها…..

غدا جزء جديد فكونوا معنا

 

قد يعجبك ايضا
تعليقات