القاهرية
العالم بين يديك

التربية الوجدانية بين اليوم والغد

209

بقلم دكتورة سلوى سليمان
في ضوء العلاقة القوية بين الوجدان والسلوك تتجلى تربية الطفل وجدانيا حيث تعد حاجة أساسية للنمو الصحيح واكتساب القدرة على التكيف مع الأشياء والأشخاص والأماكن…

ومما لا شك فيه أن حرماَن الطفل من هذه الحاجة في طفولته قد يؤدي به إلى فقره في العطاء أو تكيفه وقبوله من الاخر, والتربية الوجدانية أو الانفعالية هي التربية التي تغرس في الطفل الاتجاهات، والقيم، والمشاعـر، والتي تعلمه فهم الآخرين والتفاعل معهم بنجاح، والتي ترتكز على تهيئة المناخ الملائمة للطفل ليمر بخبرات التعليم والتعلم التي تركز اهتمامها على تنمية جوانب حسية ووجدانية في سلوكه؛ فهي بمثابة المنهج المستتر الذي يتضافر مع المنهج الظاهر في سياج من الديناميكية والانسيابية

وهنا يبرز دور التربية في أن تجعل ضمن أولويات أهدافها تنمية الجانب الوجداني في الطفل، ولن يحدث ذلك إلا بتغيير المفاهيم التعليمية المتعلقة بهذه التربية عن طريق الأدب والفن والجمال،ذلك الإطار الناعم الميسر للمنظومة كي تتكامل وتحقق أهدافها

ويمكن أن تبدأ التربية الوجدانية منذ اللحظات الأولى من حياة الطفل، ثم تسير بمنهجية و بشكل منتظم في سن السادسة أو السابعة، بإسماع الطفل الجميل من الكلام والتصرف أمامه بأرقي الأساليب وإكسابه العديد من المعاني وإمداده بالكثير من القيم، إنها التربية الوجدانية التي لا يمكن أن تتم إلا من خلال تعلمه داخل غرفة الصف بطريقة تخفيف عمليات التعلم الزائد التي تحشو عقله بمعلومات رقمية، ولغوية، وعلمية قد لا تشكل وجدانه كتشكيل عقله..

فمع تنوع مهارات الطفل تعزز قدرته علي إدارة وتقييم الذات وإدارة دوافعه وانفعالاته وتقييمه الدقيق لنقاط قوته وتحدياته وقيوده ومثابرته بهدف النجاح في التعلم والتكيف مع البيئة المحيطة، كي يكون دائم التساؤل لذاته.. لماذا أشعر بهذه الطريقه؟ ما هو هدفي؟ كيف يمكنني تغيير سلوكي؟ أيضا القدرة على التواصل الإيجابي، فيُحفز على التواصل الناضج مع الآخرين،وقراءة إشاراتهم ومشاعرهم ومنظورهم والاستجابة لها بشكل مناسب، والقدرة على احترام الآخر، ذلك هو الوعي الإيجابي، فضلا عن اكسابه القدرة على إقامة علاقات سوية والحفاظ عليها بما تتضمنه من تواصل شفاف واستماع نشط وتعاون ومقاومة الضغط الاجتماعي غير المناسب والتفاوض البناء كي يكون مستقبلا قائدا متميزا، لأن غاية العملية التعليمية منذ القدم هي إعداد الأطفال ليكونوا مواطنين مسؤولين ومنتجين ومهتمين بمجتمعهم، قادرين على اتخاذ خيارات بناءه وفق المعايير والأعراف الاجتماعية والتقييم المعرفي لعواقب ممارساته المختلفة على ذاته ومحيطة، مع اعتزازه بوطنه وهويته الثقافيه مع التركيز على التوجيهات الإيجابية وتوجهه نحو التعلم والإنجاز وتفسيره للأحداث، والتفكير بشأن تنمية ذاته وبيئته وممارسته لمهارات التفكير الناقد؛ لذلك يجب أن يحدث التُوزان بين المعلومة وبين تحولها إلى سلوك وأخلاق، وبالتالي تأخذ القيم حقها في أن تتشبع بها النفس في فترة زمنية طويلة، وأن تتحول إلى سلوك ينمو تدريجيا مع الطفل، بدءا من مواقف صغيرة وصولا إلى التحديات الحياتية الكبرى التي تتطلب انضباطا أخلاقيا وقدرة على إدارة المشاعر والعواطف بلا انفلات.
و جاء التوازن واضحا في تحويل الأفكار المجردة إلى جوانب سلوكية تظهر من خلال المواقف التي تعتري تعاملاته ، فالطفل إذا تحولت تصوراته الكبرى عن الكون والإنسان والحياة والزمن إلى سلوك مُعاش في حياته، فإن حجم التناقضات ينخفض بين ما يبطنه وبين سلوكه.

فالهدف يكمن في أن يعرف الطلاب أنفسهم و يتواصلون جيدا مع الآخرين ، بالإضافة الى التفكير بشكل خلاق ومستقل في ضوء زخم من المعرفة في كل مكان وفي متناول أيديهم.

لذلك من الأجدي ان ندرب الطفل على التعليم بأساليب سلسه تمتاز باللين والتوجيه الحكيم ، بما يخاطب العقل فيزيده ثراء ونضج ويجعل المعلم بسلاسة يكتشف عبقرية كل تلاميذ ه..

واخيرا… يجب أن تهدف المنظومة التعليمية الي التوازن بين جوانب الطفل الانفعالية والعقلية والاجتماعية بمعنى ان يكون التركيز على التربية ثم التعليم لإحداث تأثيرات إيجابية محفزة طويلة المدى تنعكس على سلوكه وتفاعلاته وردود أفعاله بما يتسم بالمرونة والإنسانية والإبداع والتحضر في حال إذا بدأ التعليم مبكرا منذ الطفولة، ، وتشير الدراسات أن الأطفال عندما يشعرون بالأمان فإن ثقتهم بالنفس تزداد ويُظهرون سلوكا أفضل وتتعزز ذاكرتهم، ويستمتعون بالتعلم، فينغمسون في العملية التعليمية بحافز نفسي لاكتساب معلومات ومهارات جديدة، وإذا نجحت العملية التعليمية في غرس العاطفة، والتعاطف مع الآخرين، فإنها تتحول إلى مصدر دعم لقوة المجتمع،وثراء للمنظومة التعليمية…

قد يعجبك ايضا
تعليقات