القاهرية
العالم بين يديك

الشيخ عبدالباسط أبوالفتوح كما عرفته!

402

 

د/عصام علي

في حياة المرء منا الكثير من الأشخاص الذين يعتز بهم، يعتز بعملهم وإجادتهم فيه، يعتز بصداقتهم والحديث معهم، وهذا الاعتزاز الذي يلازم شعوره تجاههم يصير سعادة كبيرة لدى إبداعهم الشعري الخّلاق!

كانت معرفتي الأولى بالشيخ عبدالباسط حينما كان شيخا لمعهد بنين فرشوط الثانوي، فلقيني الرجل بترحاب وتقدير، ومن عادتي ألا أطيل الحديث مع من لا سابق معرفة لي به، فانصرفتُ وفي نفسي تقدير كبير له، وما إن مضت أيام من عملي تحت قيادته حتى جمعني به لقاء لأجده يباغتني بقوله : -الطلاب يحبونك!
فكرتُ مليا في الكلمة متعجبا، فالرجل قالها ولم يكن زارني في الفصل، فكيف عرف بمحبة الطلاب لي؟!
أدركتُ بعدها أن للرجل عين الفنان والشاعر التي تُمكنه من رؤية ما لا يبصره الآخرون.
ومضينا نحث الخطى في عامنا الدراسي والصلة بيننا تزداد وتقوى، فعرفتُ شغفه باللغة العربية، وبدت بيننا المناقشات حول الكتب والكُتّاب، وكل منا يستمع للآخر معجبا، أحيانا نتفق، وأخرى نختلف، وفي اختلافنا فرصة لكل منا ليرى مشهدا آخر من الحياة لم يكن يراه من قبل، نعم كان الشيخ عبدالباسط يتشبث برأيه كثيرا كثيرا، وهذا التشبث لم يدفعني إلى تخفيف أحاديثنا، بل دفعني إلى التعمق أكثر وطرح عليه قصيدة كتبتها؛ ليبدي رأيه فيها!
عرفت الشيخ عبد الباسط قائدا ناجحا لمعهد بنين فرشوط الثانوي وإن لم تكن الظروف ساعدته ليبرز أفضل ما عنده، لكنه أبلى بلاء حسنا في قيادة المعهد بشهادة المنصفين له، واستمرت حكمته في قيادة الإدارة التعليمية، مما يدل على أن الحكمة بداخله سجية غير محدثة.
عرفت الشيخ عبد الباسط شاعرا عذبا، يدنيني منه؛ لأستمع له يلقي شعره ذا الشكول، فهو يذوب حبا في المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وآل بيته، فينشد في حبهم شعره الصادق تقربا إليهم، ولا يتوقف عند هذا البستان النَضِر، بل يتزود من عطره ليرافقه بقية أغراضه الشعرية، فنجده يتحدث في قصيدة ساخرة له عن جشع البعض في أكلهم إرث البنات وذلك في تصوير بسيط رائع قريب من القلوب، وهو بذاك يحذر الجمبع من سلوك هذا الخُلق بطريق شعري موارب، ونراه يئن لغفلة أهل مدينته عن تقدير حُفاظ كتاب الله – تعالى – فيكتب قصيدة تعد تأريخا لأصحاب الكتاتيب بمدينته، ولا يتورع الشاعر بداخله عن وضع يده على جُرح غائر أصاب مدينته في زمنها الأخير وهو ( الثأر ) فنجده يكتب قصيدة تذم الثأر وتدعو إلى السلام!
كل هذه المعاني الشعرية لا يقوم بها إلا شاعر إنسان يدرك قيمة الكلمة، ويدرك مسئوليته تجاه مجتمعه، فلم يعش الشاعر بداخل شيخنا بمعزل عن مدينته بل كان صوتا واضحا للحق فيها، وعلما يشار إليه بالبنان في حب وتقدير !

هكذا عرفت الشيخ عبد الباسط قائدا حكيما، وإنسانا نبيلا، وشاعرا مجيدا، ولا يهمني اختلاف الناس عليه؛ فلكل منا مشربه في تحديد علاقته بالآخرين ورؤيته لهم، ولقد كتبت عن شيخنا من خلال رؤيتي له، و تعاملي معه، لم أجامله؛ رغم غناه عن كل المجاملات.
وفي الختام هنيئا لكم شيخنا بلوغكم سن المعاش وتفرغكم للقراءة والشعر، وأسأل الله العظيم أن يبارك في عمركم، ويجعل ما قدمتوه من عمل في ميزان حسناتكم

قد يعجبك ايضا
تعليقات