بقلم _سامح بسيوني
مع غروب الشمس، تأملت السماء بعد المغيب، الشمس ضاعت ابتلعها الأفق. النجوم تتلألأ كجواهر زرقاء؛ ينبعث منها ضوءًا يعوضنا عن ضوء الشمس؛ الشفق الأحمر ينتشر في السماء، ووسق الليل بغرفتي، الظلام يخيم عليها؛ سأخرج في ابتداء الليل، لن أبقي وحيدًا كعادتي في هذه الليلة.
وخرجت أروحُ عن نفسي، في ليلةٍ هادئة، وجلست أمام شاطئ، تأملت أمواج البحر المتلاطمة، ورماله الذهبية الصفراء يالها من لوحة فنية مبدعة من خالق عظيم! وسرحت بخيالاتي، وطرحت علي نفسي عدة أسئلة؟! لماذا غاب الضمير مع غياب الشمس؟ مع بصيص أمل أن يعود مع ميلاد فجر جديد!
وأين الأنسانية في زمن قلت فيه الرحمة؟! بل الرحمة غابت مع ضوء شمسها! يالها من مأساة تعاني منها البشرية جمعاء! وكأنه مرض عضال، يحتاج إلي بتر في الحال. الضمير هو الرحمة،والعدل في ميزان واحد. الضمير هو بكاء في القلب قبل العين. الضمير يتمثل في وازع ليس المقصود منه الخوف من قانون رادع، أو عذاب في الآخرة وإنما هو منبعث من داخل نفسك، يشعرك بأنك مسئول أمام الله عما تفعل. وتستشعر بأنك واقف للعرض عليه، فسبحانه لاتخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماء. الضمير هو الرحمة، والرحمة نفسها تعاني القسوة في زمن الغربة!
فالطبيب المتمثل في الرحمة، يتاجر بأرواح البشر؛ بل،أصبحت تجارة الأعضاء سلعة سهلة غالية! وكأن هذا الأنسان ليس المكرَم من خالقه. كل ذلك من أجل مال زائل، وعرض هالك.
ومعلم يبحث عن مال، وغنى
فاحش. فلم تعد رسالته سامية، كما كان الأمس القريب.
وتاجر يحتكر، ويغش،والرسول-صلي الله عليه وسلم- قال:( مَنْ غشنا فليس منا) لو فكر كل تاجر غاب ضميره مع ليل مظلم حالك في هذا الحديث الشريف، بأنه خرج من عقيدته، ودينه بسبب دنيا زائلة فانية؛ ماتجرأ أن يغش، وقد أمتلأ جوفه بالطعام والشراب! وغيره بات بائسًا يعاني عناء الحياة….. أفهمنا لماذا خرج هذا من عقيدته، ودينه؟! لأنه ظلم، واحتكر فأثر نفسه علي غيره.
يالها من مصيبة وطآمة كبرى! بعنا الآخرة بلذة زائلة. من زمن بعيد انتشر هذا الدين في بلاد الهند بسب تجار ضمائرهم حية، إن من أهم أسباب غياب الضمير هو الفهم الخاطئ للحرية، التي أصبحت حجة لنا في تدني الأخلاق، وغياب الضمير؛ وأصبح هناك ثقب في السفينة، الأن المجتمع ما هو إلا سفينة كبيرة؛ يركب فيها الصالح والطالح؛ فالرسول- صلي الله عليه وسلم- وضع لنا المفهوم الصحيح لهذا الضمير؛ في حديث طويل صوره لنا في صورة حسية، وجعل لتلك السفينة طابقين؛ الطابق الأول يركب فيه من غاب عنه ضميره، والطابق الثاني من نجا، وعمل لأخرته. فكان الذي في الأسفل، إن أرادوا الماء مروا علي من فوقهم، فعندما ازعجوا من فوقهم بكثرة الصعود إلي الأعلى لطلب الماء، فقال المتمثل في إنعدام الضمير،(لو أَنَّا خَرَقْنَا في نَصِبنَا خَرْقًا ولم نُؤذِ من فَوْقَنا)-هذا هو معدوم المسئولية وهنا يأتي العلاج النبوي فإن أخذوا علي ايديهم-أي منعوهم- نجوا، ونجوا جميعًا، وإن تركوهم هلكوا، وهلكوا جميعًا.
ألم تروا أننا تركناهم من غير إرشاد، وبصيرة؟! فأوشكت السفينة علي الإغراق، بل أرى بأنها تغرق في بحر لجي ظلمات من فوقها ظلمات يالها من حسرة تدمي لها القلوب!
الضمير يتمثل في أخلاق ضاعت في غيابات الجب، تنتظر قافلة العزيز لعلها تأتي.
الصينيون بنوا هذا السور العظيم، من أجل أن يحميهم من الغزاة،ولكنهم فوجئوا بغزوهم مرتين بعد بناء السور، لأنهم بنوا السور، ونسوا أن يبنوا الإنسان أولًا.
أيها الناس أيقظوا الضمائر في نفوس، وعظام أرمت.
ربوا النشء الصغير علي خلق يكون إحياء، ومبعثًا لضمير قد غاب!
راجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال، ولا بنون، إلا من أتي الله بقلب سليم.
احيوا ضمائركم مع فجر جديد، وأمل لا يعكره رديم.
نادوا على الضمير لعله يرجع مع عبير صباح جديد، ولكنه يهمس في أذني لن أعود إلا بعودة خلق كريم.
فهل من أخلاق تعيد لنا ضميرًا قدمات؟ ويعود لنا الأمل، والرجاء في وقت قلت فيه البركات!
أصبحت الأمة الآن لا تملك إلا ضميرًا غائبُا. فهل صحت الأمة من غفلتها؟ فصحت فعل مبني علي الأشتياق، والضمير في غفلتها ضمير قد مات في أمة غافلة ليس له من دون الله كاشفة.
وإلي لقاء قريب مع إشراقة شمس جديدة، وهي تبتسم فرحة لعودة ضمير، وقد اهتزت فرحةً لهزة مشتاق، بعد طول غياب. فهل من أملٍ أن يخرج الضمير من كتب النحو؟ معلنا بَدْءُ حياة جديدة مع إشراقة فجر جديد.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية