القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

قصيدة الأرملة المرضعة للرصافي

113

رانيا ضيف

كان شاعر العراق “معروف الرصافي ” جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر خانة ببغداد
و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بامرأة محجبة يوحي منظرها العام بأنها فقيرة، وكانت تحمل صحناً وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن
ولكن صاحب الدكان خرج إليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتمين وهم الآن جياع وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز
فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ويعطيها اثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن
فرفض الرصافي وغادرها عائداً إلى دكان صديقه وقلبه يعتصر من الألم…
عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها و راح يكتب هذه القصيدة و الدموع تنهمر من عينيه

“قصيدة الأرملة المرضعة “كتبت بدموع عيني الرصافي ، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشكلة اجتماعية(الفقر والفقراء )
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة
بل إن من روعتها نال درجة الدكتوارة بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس
وترجمت قصيدته إلى اللغة الفرنسية والإنجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء :

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها
تمشي وقد أثقل الاملاق ممشاها

أثوابها رثة والرجل حافية
والدمع تذرفه في الخد عيناها

بكت من الفقر فاحمرت مدامعها
و أصفر كالورس من جوع محياها

مات الذي كان يحميها و يسعدها
فالدهر من بعده بالفقر أشقاها

الموت أفجعها والفقر أوجعها
والهم أنحلها والغم أضناها

معروف عبد الغني البغدادي الرصافي. شاعر العراق في عصره. من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق) أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال أنها علوية النسب. ولد ببغداد ونشأ بها في (الرصافة) وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها. وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في العلوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات. واشتغل بالتعليم. ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم، قبل الدستور العثماني. ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية. وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني. وهجا دعاة (الإصلاح) و (اللامركزية) من العرب. وانتقل بعد الحرب العامة الأولى (سنة 1918) إلى دمشق. ثم عين أستاذاً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، فأقام مدة. وعاد إلى بغداد فعين نائباً لرئيس لجنة (الترجمة والتعريب) ثم أصدر جريدة (الأمل) يومية (سنة 1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر. وعين مفتشاً في المعارف، فمدرساً للعربية وآدابها في دار المعلمين، فرئيساً للجنة الاصطلاحات العلمية. واستقال من الأعمال الحكومية سنة 1928 فانتخب (عضواً) في مجلس النواب، خمس مرات، مدة ثمانية أعوام. وزار مصر سنة 1936 وقامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد، في أوائل الحرب العامة الثانية، فنظم (أناشيدها) وكان من خطبائها. وفشلت، فعاش بعدها في شبه انزواء عن الناس إلى أن توفي ببيته، في الأعظمية، ببغداد. وكان جزل الألفاظ في أكثر شعره، عالي الأسلوب، حتى في مجونه، هجاءاً مراً، وصافاً مجيداً، ملأ الأسماع دوياً في بدء شهرته. وتبارى والزهاوي زمناً، وتهاجياً، ثم كان لكل منهما ميدانه: الرصافي برصفه، والزهاوي بفلسفته. نشأ وعاش ومات فقيراً. له كتب، منها (ديوان الرصافي) جزآن اشتملت الطبعة الثانية منه على أكثر شعره، إلا أهاجي ومجونيات ما زالت مخطوطة متفرقة فيما أحسب، و (دفع الهجنة) رسالة في الألفاظ العربية المستعملة في اللغة التركية وبالعكس، و (دفع المراق في لغة العامة من أهل العراق) نشر متسلسلاً في مجلة العرب، و (رسائل التعليقات ) في نقد كتاب النثر الفني وكتاب التصوف الإسلامي، كلاهما للدكتور زكي مبارك، و (نفح الطيب في الخطابة والخطيب) و (محاضرات الأدب العربي) جزآن، و (ديوان الأناشيد المدرسية )

قد يعجبك ايضا
تعليقات