القاهرية
العالم بين يديك

ميزان الروح

202

من كتاب “مطرقة في صخور الغربة”
للكاتب الأديب مهندس سمير المطيعي

” المستحيل شئ ممكن، حتى تثبت استحالته ”
بيرل باك
************

قارئي العزيز، دعني أولا أشير إلى أنني أكتب هنا عن الروح، الروح الإنسانية التي لا تُري، الروح التي يهبها الله لكل نسمة حية، ويجب عليك أيضـًـا أن تعرف أنني لا أتحدث عن الروح بالمفهوم الروحي أو الديني، وإنما أكتب هنا عنها من منطلق أكاديمي وعلمي بحت، فأرجو ألا تتوقع كلاما أدبيًا أو بلاغة في العبارات المنمقة، كلا.. فالسطور التالية خالية تمامـًـا من البلاغة والعبارات الأدبية ولكنها تتحدث عن تجارب لعلماء وبحوثهم العلمية، كمثال لذلك دراسة العالمة و الباحثة (كاثرين سولومون) وكيف أثبتت أن للروح وزن تم حسابها بأدق الموازين حساسية وذلك حينما تخرج ( أى الروح) من جسد الإنسان المحتضر، تمامـًـا كما تحسب وزن منديلا أُخرج توا من جيب قميص إنسان ما، ولك عزيزي القارئ أن تصدق أو لا تصدق.
دعني أسرد لك أحداث هذا الإكتشاف والطريقة التي برهنوا بها أن للروح وزن يمكن حسابه أو قياسه على الميزان، وسوف أحاول أيضًا في السطور التالية أن أشرح ولو بإيجاز كيف وصل العلماء إلى هذا البحث القيم،
ففي رواية الرمز المفقود للكاتب المثير للجدل دان براون، تكلم عن أشياء كثيرة وغالبيتها عن الماسونية وفلسفتها ورموزها وطقوسها ولكنني هنا لا أتطرق إلى كل هذا ولكنني سأتحدث عن جزء تعرض له الكاتب؛ ألا وهو الروح وكيف تم حساب وزنها من منظور علمي كما سبق وأشرت.
نعلم أن كل شئ في هذا الكون له وزن، لأنه مكون من مادة، ولا نستغرب حينما نعرف أن الإنسان استطاع أن يصل إلى وزن قصاصة متناهية الصغر حجمها أصغر من حجم نصف سن القلم الرصاص، مصنوعة من أخف أنواع الورق وزنـًـا مثل ورق الدخان الذي يستخدم في صناعة السجائر (ورق البفره ) والذي يكون متناهي الصغر في السُمك، ونعرف أنهم استطاعوا من قبل أن يحسبوا أوزان أجسام لا يمكننا رؤيتها بالعين المجردة مثل الإلكترون ( مثلا) وهو أصغر جزء معروف حتى الآن من مكونات الذرة، فوصول الإنسان لهذه النتائج حفز العلماء على التفكير في قياس وزن الروح.
وإليك القصة من البداية…
بيتر سولومون” ملياردير أمريكي وصل إلى أعلى درجة من درجات الماسونية، أسس معمل أبحاث كبير ومتسع جدًا على أعلى مستوى وقام بتجهيزه بكل ما وصل اليه العلم والتكنولوجيا المتقدمة جدًا، وقسمه إلى أقسام عدة في شتى العلوم مثل النبات والحيوان والبحار والتشريح والفيزياء والكيمياء.. الخ.
أهدي بيتر هذا المختبر المتكامل إلى شقيقته ” كاثرين سولومون” الباحثة المهتمة والمتخصصة في دراسة العلوم العقلية، وان كان هذا العلم غير معروف وغير منتشر في معظم جامعات العالم أو إن صح القول هو علم غير معترف به في كثير من المعاهد العلمية حتى وقتنا هذا.
إلا أن “كاثرين” أحبت هذا الفرع الغريب وأخذت على عاتقها مشقة البحث ومحاولة الوصول إلي إجابة شافية ومقنعة عن السؤال هذا… كيف أن القوة العقلية من خلال ما تصدره من موجات كهرومغناطيسية تستطيع أن ترى أحداث قد تحدث في مكان بعيد؟ بحثت كاثرين وواصلت دراستها عن طريق تدريبات شاقة للعقل ودراسة وتطبيق تجاربها؛ بإرسال إشارات لشخص ما في بلد أو قارة بعيدة؛ ليستقبل انسان آخر موجود أو يعيش على الجانب الآخر من الكرة الأرضية هذه الرسالة، وبالطبع تطلبت هذه التجارب تداريبات شاقة جدًا.
وتركزت أبحاث كاثرين على القوة الخارجة من العقل البشري وهي الدراسة القريبة من اليوجا وممارسة تمارينه حيث تسمى ( الخروج من الجسد) وذلك بالتدريب المستمر ولكنها ليست اليوجا بطبيعة الحال وإنما دراسة القوة التي تخرج من العقل علميـًـا.
ولنوضح أهمية القوة العقلية؛ نشير إلى رأى أحد الفلاسفة في هذا المجال ويدعى أندرسون حيث قال ” جسدي ليس سوى سفينة لكنز كبير وأكثر قوة ألا وهو عقلي “.
يجب أن ننوه إلى أن دراسات وأبحاث كاثرين سولومون قد تطرقت إلي الرؤية من بُعد أو التنقل من مكان إلى آخر عن طريق وضع الجسد الإنساني تحت تأثير الروح والخضوع لها، فيكون الجسد في مكان ما ويري بروحه مكانـًـا آخر أو حدث يحدث في مكان بعيد عنه بمسافات، وهو أيضـًـا أحد فروع العلوم العقلية، فهو ليس علم الإسقاط النجمي أو التنجيم أو عالم الجان.
إن تجارب كاثرين هي علم فقط عن العقل والقوة الخارجة منه، وتطويع وإخضاع هذه القوة عن طريق دراسة القوى الكهرومغناطيسية الصادرة من العقل الإنساني وكذلك عن الروح المرتبطة به و، هنا تنتقل كاثرين بخطوة أعمق في أبحاثها؛ فكانت تحاول مع مساعديها و بعض فلاسفة هذا العلم الذين يحذون حذوها أن تثبت وجود الروح البشرية على أسس علمية فهي تعرف أن “الذكاء” ليست مجرد كلمة فحسب، بل فكرة والفكرة لها كتلة، إذن للروح كتلة؛ وقد عملت بمثابرة على إثبات ذلك.
خطر لكاثرين أن كلمة ذكاء توحي بوجود” فكرة”، وبما أن العلم العقلي يشير بوضوح إلى أن للأفكار كتلة؛ فقد استخلصت أن يكون للروح البشرية كتله أيضًا وعليها أن تثبت ذلك؛ لتبرهن وتنهي هذه الإشكالية.
أي أن كاثرين سألت نفسها باختصار، هل يمكننا وزن الروح؟
فكرة جريئة وجنونية، كلفتها تجارب ودراسات وأبحاث استمرت ثلاث سنوات؛ كي تثبت أن للروح وزن على الميزان، هذا التفكير المتواصل أنقض منامها، وحينما اختمرت الفكرة استيقظت كاثرين من نومها في ساعة متأخرة من الليل لتقود سيارتها بسرعة إلى مختبرها قبل أن تتبخر فكرتها التي واتتها وهي شبه مستيقظة على وسادتها بعد سنوات من التفكير والقراءة والبحث، فبدأت على الفور بالعمل على تطبيق فكرتها شديدة البساطة ولكنها بالغة الجرأة.
لم تكن تعرف أنها ستنجح أم لا..
استغرق الأمر أربعة أشهر أخرى ثم استدعت أخاها “بيتر” الذي كان له الفضل الأول بتشجيعه لها بتأسيس مختبرها المتقدم جدًا، سحبت كاثرين من المخزن الخلفي للمختبر عربة كبيرة كانت تُخبئها فيه وقالت لأخيها وهي فخورة باختراعها، لقد صممت هذا بنفسي يابيتر وأردفت تسأله “هل تعرف ما هذا؟”
حدق بيتر إلى الآله الغريبة، ثم سألها : أهي حاضنة مثل تلك التي تستخدم في المستشفيات للأطفال غير المكتملين؟، ضحكت كاثرين وهزت رأسها بالنفي، مع أن ظنه كان منطقيـًـا؛ إذ أن الآلة فعلا شبيهة بالحاضنات التي يوضع فيها الأطفال المولودن قبل الأوان في المستشفيات، ولكن هذه الآلة كانت بحجم الإنسان البالغ والكامل النمو فهي عبارة عن صندوق من البلاستيك الشفاف، طويل ويمنع دخول الهواء، أشبه بحجره صغيره للنوم، وكان هذا الصندوق موضوعا فوق جهاز إلكتروني كبير.
قالت كاثرين : فلنر يابيتر إن كان هذا سيساعدك على التخمين أم لا؟ وأوصلت الآلة بالمقبس ( مصدر الكهرباء)؛ فأضيئت شاشة رقمية على الآلة وتبدلت أرقامها وبعد لحظات استقرت الأرقام على ٠٫٠٠٠٠٠٠ (صفر كيلو جرام )، لاحظت أن أخاها بيتر ينظر بإمعان ويحدق في شاشة الجهاز مقوسـًـا حاجبيه فاتحـًـا عينيه على سعتهما باستغراب ماطـًـا شفتيه سائلا شقيقته : – هل هذا ميزان يا كاثرين؟
– وليس اَي ميزان يابيتر! ثم تناولت قصاصة ورق صغيرة جدًا بحجم نصف سن القلم الرصاص من ورقة لف السجائر، ووضعتها بلطف على سطح الصندوق، فتبدلت الأرقام على الشاشة إلي ٠٫٠٠٠٨١٩٤٣٢٥ كجم، هذا يعني أن دقة هذا الميزان تصل إلى كسر من عشرات المليارات، اَي يستطيع أن يزن شي وزنه جزء من المليارات، واستأنفت قائلة إنه يابيتر ميزان صغير فائق الدقة.
سأل بيتر شقيقته : – هل صنعتِ هذا الميزان الدقيق والكبير الحجم من أجل إنسان؟
– نعم بكل تأكيد، ثم أردفت شارحة له أنها نجحت في تجربتها باستخدام هذا الميزان حينما عرض عليها أحد أساتذتها بالجامعة والذي كان مؤمن بعلمها وأبحاثها أن يتبرع بجسمه بعد موته تحت تصرفها، وأمام الواقع وللوصول للإثبات والبراهين لابد أن نتنازل في كثير من الأحيان عن العواطف، لقد كانت آخر أيام هذا البروفيسور الراقد في المستشفي، كما أشرت (الكلام لكاثرين )، أصبح أستاذي البروفيسور المتبرع بجسده لا يعي أي شئ، واستمرت تشرح ما حدث، فكان البروفيسور جسم لا يتحرك ولا يوجد إلا نفس شهيق وزفير خلال الأكسجين الموضوع في أنفه، وبحسب ما أوصى به، ألقت زوجته النظرة الأخيرة عليه وهو نائم على ظهره بلا وعي داخل صندوق الحاضنة التى صممتها كاثرين فسجلت وزنه ٥١٫٠٠٠ كجم.
وحينما جاءت ساعة الصفر وعقدت العزم مع زوجته تحقيقا لرغبة البروفيسور، نزع الممرض الأنابيب بعد أن ودعت الزوجة رجلها الغائب العقل الحاضر بنبضات قلبه والمحتضر،و بعد أن نُزعت منه أنابيب التنفس وهو داخل صندوق الحاضنة ظل البروفيسور يتنفس شهيقـًـا وزفيرًا بصعوبة بالغة لمدة خمس دقائق حيث لا يوجد أَي هواء داخل الصندوق إلى أن لفظ نفسه الأخير ،و أمال رأسه ليموت فوق الميزان، وهنا رأت كاثرين المفاجأة حيث هبطت قراءة الميزان إلى رقم أقل من الرقم الأول ولو بنسبة ضئيلة جدًا، إلا أنه حدث تسجيل فرق في الوزن عند موت الرجل، فصرخت والكلام مازال لكاثرين : لقد نجحت تجربتي يابيتر … إن للروح وزن يابيتر تمامًا كأي جسم وإن كانت لا تُرى.
إن كانت الروح لا تُرى ولا نعرف الكثير عنها إلا أن الإنسان استطاع بالعلم أن يزنها كأي جسم منظور. لقد بدأت ثم برهنت كاثرين بعد تفكيرعميق وتجارب عديدة أن تصل وتثبت بالبرهان عن وجود الروح بالطرق العلمية وليس بالايمان الروحي أو الديني فقط، وهنا بدأ العالم وجامعاته ومراكز الأبحاث، تأخذ مادة البحث هذه والدراسة في العلوم العقلية بجدية، وبدأت بعض المراكز البحثية باعتبار العلوم العقلية مادة للدراسة كباقي العلوم الأخرى.
كم كنت أتمني أن استرسل كثيرا في هذا الموضوع؛ خاصة أن هذا البحث فتح الطريق للعلماء لآفاق أخرى وفروع علمية أبعد بكثير من الخيال، فرأيناهم وقد بدأوا في دراسة كيفية تصوير الأحلام، ورأينا فريقًا آخر يبحث في كيفية تصوير أحداث الماضي صوت وصورة.
فلا تستبعد صديقي أن تقرأ يومًا ما عن نبأ مفاده أن أحد العلماء قام بتصوير فرعون مصر ومهندسيه واقفين أمام الهرم حينما كانوا يشرفون على البناء صوتـًـا وصورة، حيث رجع العالم لآلاف السنين وصور الموقع، وهذا عالم آخر صور حلم أحد المخترعين الذي كان يحلم بتركيب آله حديثه لتصوير رائحة العطور التي تتعطر بها الممثلات في الأفلام الهوليودية، ورائحة الدخان المنبعث من انفجارات قنابل الحروب، صور العالِم أحلام واختراعات زميله الذي يفكر ويحلم بتحقيقها بينما هو نائم.
تستطيع قارئي العزيز أن تقرأ بتفاصيل أكثر عن العلوم العقلية وذلك بالرجوع لكتاب الرمز المفقود للكاتب ” دان براون “.

قد يعجبك ايضا
تعليقات