بقلم د.إسلام إسماعيل أبوزيد
عضو اتحاد المؤرخين العرب
بدية نعرف القارئ الكريم بكلمات واضحة منهج علم التاريخ:هو عبارة عن عمليّة إحياء للماضي، وذلك عن طريق جمع الأدلّة والتعديل عليها وتقويمها، يتمّ بعدها تمحيص تلك الأدلّة، وفي النهاية تبدأ مرحلة تأليفها في عمليّة عرضٍ للحقائق بشكلٍ دقيق وصحيحٍ في المدلولات وفي عمليّة التأليف، وذلك في سبيل استنتاج عددٍ من البراهين التي تظهر نتائج علميّة واضحة,من خلال نقد الروايات والأخبار لمعرفة الصحيح من غيره،والتاريخ ما هو إلا إخبار عن الماضي الذي يؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة وصحة البيانات المتوفرة لحادثة أو ظاهرة إنسانية أو اجتماعية أو طبيعية تمت في الماضي، بواسطة التأمل أو التحليل والنقد، في مختلف العلوم بواسطة مجموعة من القواعد التي تسير العقل وتعمل على تحديد عملياته للوصول إلى نتيجة معلومة، وهذا ما يسمّى علميًا علم المناهج، حيث يعمل على الوصول إلى الحقيقة من خلال البحث في طرق المنهج الذي يستخدمه الباحثون لدراسة الحادثة أو الظاهرة، في العلوم الاجتماعية والانسانية والطبيعية (محمد حمدان، 1989).
وقد تناول المفكرون والمؤرخون مناهج البحث في علم التاريخ، وسنلقي فيما يلي الضوء على لمحة عن كل منها تفيد كل مثقف بشكل عام وكل محب لعلم التاريخ بشكل خاص:
1- المنهج السنني:
هو رؤية السنن الربانية من خلال أحداث التاريخ فلله في الأفراد سنن، وفي الأمم سنن، وفي المسلمين سنن، وفي الكافرين سنن. والسنن تعمل مجتمعه ولا تتخلف أو تتبدل، يخضع لها البشر في تصرفاتهم وأفعالهم وسلوكهم في الحياة، ويترتب على ذلك من نتائج كالنصر أو الهزيمة، والسعادة أو الشقاوة، والعز أو الذل، والرقي أو التخلف، والقوة أو الضعف، وفق مقادير ثابتة لا تقبل التخلف ولا تتعرض للتبديل: ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ لنتعرف على هذا المعنى من أحسن حديث وأبين بيان ؛ كتاب ربنا، فالله سبحانه وتعالى عندما أراد من عباده أن يفقهوا سننه الإلهية بين لهم منها ما تتحقق به الهداية لهم، فقال سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ لذلك نحتاج هذا المنهج , وهو من أكثر المناهج التاريخية فائدة للدراس . .(محمد أمحزون,,2001م)
فمن خلال السنن الإلهية نفهم التاريخ، ونفسر أحداثه تفسيرا شرعيا سليما ينفعنا في تقييم حاضرنا وتوقع مستقبلنا ؛ وللأسف كثير من المسلمين اليوم لا يملكون القدرة على ربط النتائج بالأسباب، وكشف اللثام عن حقيقة السنن بل قد يدهشهم الواقع دون تفسير حقيقي لما سيكون في الغد من أحداث، قد تكون سعيدة أو مؤلمة. ( محمد رشيد , 1990م)
المنهج الوصفي.
يعتبر المنهج الوصفي من أبرز وأهم أنواع مناهج البحث العلمي، ويرتبط عادة بتوضيح واقع الحوادث والأشياء عادة، ولا يكاد يخلو بحث علمي منه، وخاصة الأبحاث الاجتماعية، وأهمها التاريخية حيث أنه لا يتوقف علي وصف الواقع، بل يتناوله بالتحليل والتفسير بغرض الوصول لاستنتاجات جديدة ومفيدة، ومن أهم المميزات التي يتسم بها المنهج الوصفي: يكشف خبايا الظواهر الوصفية بدقة، ويدرس العلاقات بين المتغيرات، ويعتد على التحليل والموضوعية في جمع المعلومات(محمد حمدان، 1989).
2- المنهج التاريخي:
يعرف المنهج التاريخي بأنه المنهج الذي يقوم بإحياء الأحداث التي حصلت في الزمن الماضي ،وذلك من خلال جمع الروايات بالأدلة ، وتحليلها ، والتأكد من صحتها للوصول لنتائج قطعية.
وبعد أن يتم كل ذلك يقوم الباحث بعرضها بشكل دقيق ليصل إلى البراهين التي تظهر نتائج علمية واضحة ، ويتبع الباحث أثناء جمعه للمعلومات أسس علمية ومنهجية دقيقة ، بحيث يتمكن الباحث من فهم الأمور التي تجري في الوقت الحالي بناء على الأحداث التي جرت في الزمن الماضي ، وبالتالي يتمكن من استشراف المستقبل . (عثمان حسن، 2000).
3- المنهج التحليلي:
ويُعرف على أنه تفكيك للمشكلة ودراسة الجزئيات بدقة، من خلال التحليل والنقد، وبعد ذلك استعادة الهيئة الكلية مرة أخرى، واستنباط الأحكام، ومن ثم التعميم، ويُعتبر من أهم أنواع مناهج البحث العلمي، ومن مميزاته: التعمق في دراسة موضوع معين، والحصول على خلاصة دقيقة، واستخراج الحلول التي تسهم في معالجة إشكالية علمية، كدراسة مشكلة في الماضي والوقوف على مكوناتها وكيفية الاستفادة منها في حل مشكلات الحاضر(درويش محمود،2018.(
4- المنهج الفلسفي:
وهو عكس المنهج التجريبي، ويستهدف الوصول لمضامين ومقاصد تتعلق ببعض المفاهيم الشائكة، ويبدأ ذلك بالتعجب من أمر ما، والشك فيه، ثم وضع الفرضيات أو الأسئلة العلمية، والتوصل للاستنتاجات، وتتمثل في مبررات منطقية، ومن أهم مميزات المنهج الفلسفي: قدرته على تفسير الظواهر غير الخاضعة للنظم العددية، ولا يستطيع الباحثون دراستها كميًا، ويفيد جداً في الدراسات التاريخية خاصة ما يخص الأحداث السياسية التي تتعلق بقيام الدول واستمرارها وانهيارها (زيدان محمود،2007).
5- المنهج الاجتماعي:
يقوم هذا المنهج على دراسة الظواهر الاجتماعية في المجتمع والبيئة، التي ينتمي إليها المؤرخ أو محور الدراسة، وهي في مجملها ظواهر ذات علاقة بالأوضاع الاجتماعية والظروف السياسية والاقتصادية. ثمَّ إن المنهج الاجتماعي وُلد من خلال المنهج التاريخي، ذلك لأن التاريخ في حقيقته يعتمد على تقدم المجتمعات وتطورها(درويش محمود،2018.(
6- المنهج التنبؤي:
وهو يقوم على دراسة إحدى الظواهر فيجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالدراسة، ومن ثم الوصول إلى النتائج التي تقوم بدورها بتطوير نموذج الدراسة من خلال التنبؤ بقيم الظاهر في المستقبل أو بأحداثها، كما يقوم بالاستفادة من المعلومات التاريخية، التي تسهم بالتنبؤ في المستقبل، لذلك فإنّه يعتمد على مدى دقة الباحث في دراساته، وفي تحديد خيارات فرضيته، من أجل الوصول إلى نتائج تنبئية ثابتة وصحيحة، وغالبًا ما يُستخدم في دراسة الظواهر العلمية المتعلقة بالطبيعة، تلك الظواهر التي تعتمد معلومات على الرسم البياني والجداول المختلفة (درويش محمود،2018) .
٥ تعليقات