عصام علي
بنو عذرة : قبلية عربية إحدى قبائل قضاعة الكثيرة، كانت تنتشر في شمال الحجاز، واتخذت وادي القرى محلا لإقامتها، وقد رزقهم الله من الخيرات والثمار ما جعل حياتهم رغدة هانئة بالقياس إلى قبائل العرب الأخرى التي كانت تسكن الصحراء، ولقد كان لاستقرارهم في ذلك الوادي الأثر الأكبر في طبع مشاعرهم بالهدوء النفسي الذي نتج عنه حب لا يوصف! حب مازلنا إلى الآن نقتفي أثره، وننزع إلى قصصه حين نسأم من جو الحياة الجاف الذي نحياه!
اشتهر بنو عذرة من بين قبائل العرب بالغزل الصافي الرقيق، وكان للإسلام أثره في نمو ذلك الغزل بما فرضه على الناس من غض للبصر وحفظ للفرج.
الإسلام والصحراء إذًا أعدا لظهور هذا الغزل الطاهر العفيف الحزين وما طوى فيه من حب نبيل شريف، وهو غزل يعبر عن أسمى العواطف التي يفيض بها القلب الإنساني، غزل نحس فيه بالحرمان الذي يتملك إحساسنا، فيه الرجل يتهيب الاقتراب من المرأة؛ فهي كائن ملائكي تحول قدسيته دون لمسه وحتى هي إن وصلته ما يزال يشعر من أعماقه بالألم واليأس، بل قد يفضي به حبه إلى الجنون أو الموت! والأخبار في ذلك عن ” بني عذرة” مستفيضة أورد بعضا منها :
1_ سئل رجل من عذرة : ممن الفتى ؟ فقال:” من قوم إذا عشقوا ماتوا” فرد السائل قائلا :” عذري ورب الكعبة!
2_ قال رجل لعروة بن حزام العذري :” ياهذا بالله أصحيح ما يقال عنكم : أنكم أرق الناس قلوبا ؟ قال :نعم، لقد تركت ثلاثين شابا قد خامرهم الموت ما لهم داء إلا الحب!
3_ وسئلت امرأة عذرية بها هوى يدنيها من الموت: ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب؟!
فقالت :” فينا تعفف، والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفني آجالنا.
4_ وقيل لأعرابي :” ما كنت صانعا لو ظفرت بمن تهوى؟
قال: “كنت أمتع عيني من وجهها.. وقلبي من حديثها.. وأستر عنها ما لا يحبه الله. قيل :” فإن خفت ألا تجتمعا بعد ذلك. قال: ” أكِل قلبي إلى حبها، ولا أصير إلى نقض عهدها ”
ذلك نذر يسير من أخبار” بني عذرة ” فلقد خلّد الحب العفيف ذكراهم، ورفع بين الأقوام شأنهم، فتركوا لنا قصصا علنا نتدبرها؛ لندرك المعنى الحقيقي للحب الذي جهلناه تمام الجهل،
وابتعدنا عنه كل البعد!
لقد كان العذريون على درجة عالية من الإخلاص الذي نفتقده كثيرا لمن نحب، فليتنا نقتفي أثرهم، ونتعلم منهم؛ حتى تستقيم حياتنا العاطفية ولا نجد فيها أمثال قاتل ” نيرة” ( طالبة المنصورة ) يطفو على سطح حياتنا.
ما سبق كان يتصل بالجزء الأول من العنوان الرئيس للمقال وهو جانب ( المعلومة) أما بخصوص الكتاب فهو : ( الحب العذري عند العرب) لمؤلفه: د/ شوقي ضيف، وقد أوضح – رحمه الله – الهدف من تأليفه في تذكير الشباب العربي بماضيهم الزاهر المشرق؛ لكي يقتفوا أثره ولا ينصاعوا لتلك الروايات الغربية الحديثة التي تتحدث عن الحب بطريقة شهوانية، فالغرض من ورائها جعل هم الشباب العربي ينصرف أولا إلى الغرائز الجنسية!
الكتاب يضم قصصا عن الحب الطاهر ليست قاصرة على ” بني عذرة” بل هي لكل حب عفيف طاهر!
والآن لم يبقَ لي إلا أن أدعوك عزيزي القارئ؛ لقضاء وقت مفيد مع قصص الكتاب التي أثق في أنها ستأخذك لعالم آخر يختلف تماما عن عالمنا الغريب!