القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

المرأة في ربيع قرطبة

174

عصام علي

استمعتُ للمسلسل السوري ” ربيع قرطبة” لأول مرة تقريبا منذ سبع سنوات أو أكثر ، لا أذكر بالضبط ، وحين كنت أعمل بالسعودية رشحته لصديقي ؛ حتى نشاهده معا ، ولتكون الذكرى بيننا معقودة بحدث !
قبل أن أحدثكَ عن مشاهدتي الحالية ، دعني أعود بك للوراء قليلا ؛ حتى أحدثك عن المشاهدة الأولى ؛ فهي حقيقة بالذِكر ..
عندما شاهدت ” ربيع قرطبة ” لأول مرة كنت منبهرا كثيرا ب ” صُبح البشكنجية ” رأيتها النموذج القريب من المرأة التي يحلم بها الرجل الحالم ، لا سيما وهي : رقيقة .. عازفة .. ناضجة .. طامحة .. صاحبة رأي ورؤية .. وإلى جانب ذلك كله فهي تتمتع بقدر ملحوظ من الجمال ، إضافة إلى جمال المعاملة !
لم يكن يشغلني حينها من المسلسل إلا هذه المخلوقة ، أراقب كل ما تقول وتفعل ، وأقول : أحقا كانت ” صبح ” هكذا ؟
لم يلبث إعجابي كثيرا بها ، وانصرفتُ عنها بحديثي مع داخلي الذي أقرَّ بأن شخصية صبح ما هي إلا إبداع ” نسرين طافش التي أجادت في تجميل الشخصية ..
ومضتْ بي الحياة تصارعني وأصارعها ، ولا يسلّم أحدنا للآخر إلا بقدر ما يفرضه القدر ، ونسيتُ ” ربيع قرطبة ” وغابت عني ” صبحها ” إلى أن حلت جائحة ” كرونا ” ووجدتني أرشحها لصديقي العزيز ؛ حتى نَكسر رتابة اليوم ، ونُوجد لنا طاولة حديث نتحاور عليها .
اختفتْ عن عيني تلك الزاوية الأولى التي كنتُ أرى من خلالها ” صبح ” ووجدتني أنظر إليها بحساب آخر قائلا في نفسي : ماذا قدّمت صبح ؟!
وجدتُ ” الحَكَمَ ” يقدّم لها المودة والرحمة والحب ، ويرفعها إلى منزلة لا أظن أن غيرها من البشر – على اختلاف أنواعهم وطبائعهم – وصل إليها ، وهي رغم ذلك تُعلّق قلبها بآخر وفي حياة ” الحكم ” وتستمر في التقرب من غوايتها ، وبقدر اقترابها منها تبتعد عن إنسانية ” الحكم ” تبتعد عن دورها النافع في الحياة ، استمرتْ ” صبح ” في إخلاصها لمن تحب ، وتناست أن تخلص لمن أحبها ، وضعتْ الدولة في يد من تُحب ” المنصور ” تاركة ابنها ” هشام ” فداءً لنزوة قلبها ، واستحقت بعد ذلك أن تكون سببا من أسباب سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس ، هكذا رأيتُ ” صبح ” في المشاهدة الثانية .. وهكذا تحولت كل مميزاتها التي رأيتها أولا إلى نقائص !

لم أخرج من المشاهدة الثانية بهذا التصور فقط ، بل إن نظري لحظ نمطا آخر من النساء يختلف كل الاختلاف عن صبح ، يتمثل في هذه الشخصيات :
” عائشة ” زوجة ” المنصور ” امرأة بكل النساء ، وعقلها هو زينتها الحقيقية التي تغني عن أي زينات أخرى للمرأة ، ناصرتْ زوجها ، ولم تكن عائقا له في تحقيق أهدافه ، بل كانت تقف وراءه بكل قلبها وعقلها ، وتجور على نفسها في سبيل بلوغه ما يريد .
دخل ” المنصور ” عليها بجارية فما تذمرتْ ولا اعترضتْ ، بل كانت بقلبٍ كبير ، وعقل ناضج ، يتفهم حاجة الرجل ، وبنفس هذا الذكاء وتلك الحكمة أشارت إليه بالزواج من ” أسماء ” ابنة ” غالب الناصري ” حين شعرت بالخطر يقترب من زوجها إن لم يفعل ، وحتى يقترب من تحقيق غايته ، فأي عقل كبير مُنِحَتُه تلك المرأة ؟!
لقد تسامتْ تلك المرأة على نفسها الأنثوية ، فجعلت حياة زوجها أولى لها من أي شيء ، فلم تُعكّر حياته بغَيرة المراهقات التي تدل على خبول العقل ، وانتفاء الشخصية ، ويتضح ذلك عندما كانت على فراش الموت بعد أن سألته ( عن مكانها في قلبه ) فقال لها : ” إن القلب مكان واسع … ” فلم ترد له الصاع ، وتجيبه من ذلك الصعيد الذي خرجتْ منه إجابته ، بل كانت صادقة معه ، واعترفت بأنه الوحيد بقلبها ! لا تجد أمثال هذه المرأة في مجتمعاتنا ، بل إنك لتجد صورا مضادة لها ، فلو حدث هذا الموقف في زماننا ، لوجدت المرأة يحمر أنفها غضبا ، وينوب عنها جهلها في الرد ، فلا يرد إلا بأبشع العبارات التي تدل على الحنق الذريع !
لا شك عندي أن المرأة الوحيدة التي تخللتْ قلب ” المنصور ” هي ” عائشة ” فلقد كانت جدار قلبه بحق ..

” أسماء ” قرينة أبيها ( غالب الناصري ) في الرأي ، إنسانة تضع الأمور في نصابها ، نبيلة بكل ما تحوي الكلمة من معنى ، تسعى ناحية ضرتها ( عائشة ) بعد أن تزوجها ” المنصور ” ؛ لتقيم معها حياة حقيقية قوامها السلام والتعايش الودود ، تُغَلّبُ أمر زوجها على أمر أبيها ؛ لذاك أحبها ” المنصور” وأكرمها بالاستشارة في كل أموره ..

” زوجة إبراهيم ” أما هذه فهي ست النساء ؛ حين ساندت زوجها النبيل الإنساني المطلب ، فلم تبتعد عنه في فقره ولا في ضيق سجنه ، بل كانت رفيقة مشواره مهما تبدلت أحواله .
هذه هي نماذج النساء التي رأيتها في المشاهدة الثانية من ” ربيع قرطبة ” نماذج عاقلة ، تُغَلّب العقل على العاطفة ، وتضع الأمور في نصابها ، يبتعد عنهن النزق كما يبتعد المشرق عن المغرب ، نماذج غائبة عنا كثيرا في واقعنا ، وهذا لا يعني أنها بعيدة المَنال ، بل علينا أن نغرس في بناتنا القيم العليا ؛ حتى نبصر تصرفاتهن تصب في مصب الإنسانية ..
ارتقوا بأفكاركم ؛ حتى تخرج بناتكم وأخواتكم نماذج مضيئة يُقال – بكل الفخر – في حق الواحدة منهن : لو كانت النساء مثل هذي لفضلت النساء على الرجال

قد يعجبك ايضا
تعليقات