القاهرية
العالم بين يديك

الزكاة أهم مصادر الثروة في عهد الفاروق

252

القاهرية
الزكاة هي الركن الاجتماعي البارز في أركان الإسلام، وأول تشريع سماوي إسلامي، فرض في أموال أغنياء المسلمين، لتؤخذ منهم، وترد إلى الفقراء، بحسب أنصبتها المعروفة في الزروع والثمار، والذهب والفضة وعروض التجار والماشية، ليكون هناك نوع من التضامن والتكافل الاجتماعي، والمحبة والألفة بين الأغنياء والفقراء، فالزكاة تكليف يتصل بالمال، والمال كما يقولون عصب الحياة، فمن الناس سعيد بالمال ومنهم شقي به، وهذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ونظراً لما للمال من أثر في حياة الناس فقد عني الإسلام بأمره أشد العناية، واهتم بالزكاة غاية الاهتمام ووضع لها نظاماً دقيقاً حكيماً رحيماً، يؤلف بين القلوب، ولذلك سار الفاروق على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقام بتنظيم مؤسسة الزكاة، وتطويرها، فأرسل المصدّقين لجمع الزكاة في أرجاء الدولة الإسلامية بعد أن أسلم الكثير من سكان البلاد المفتوحة، وكان العدل في جباية الأموال، صفة الخلافة الراشدة دون الإخلال بحقوق بيت المال، وقد أنكر الفاروق على عامل من عمال الزكاة أخذه لشاة كثيرة اللبن ذات ضرع عظيم قائلاً: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس ، وقد جاء ناس من أهل الشام إلى عمر، فقالوا: إنا قد أصبنا أموالاً وخيلاً ورقيقاً نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور قال عمر: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم عليُّ، فقال عليّ: هو حسن، إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك ، وقد ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري: أن الصحابة اقترحوا على عمر فرض الزكاة على الرقيق والخيل بعد ما توسعت ملكية الرقيق والخيل في أيدي المسلمين، فعدّ عمر الرقيق والخيل من أموال التجارة وفرض على الرقيق الصبيان والكبار ديناراً عشرة دراهم وعلى الخيل العربية عشرة دراهم وعلى البراذين الخيل غير العربية خمسة دراهم، ويفهم أنه لم يفرض الزكاة في رقيق الخدمة والخيل المعدة للجهاد لأنها ليست من عروض التجارة، بل إنه عوض من يدفع زكاتهما كل شهرين جربين حوالي 209 كيلو غرام من القمح وهو أكثر قيمة في الزكاة وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة، وقد أخذ من الركاز المال المدفون -إذا عثر عليه- الخمس، وحرص على تداول الأموال وتشغيلها لئلا تذهب بها الزكاة مع تعاقب الأعوام ، فكان عنده مال ليتيم فأعطاه للحكم بن العاص الثقفي ليتجر به ، إذ لم يجد عمر وقتاً للتجارة لانشغاله بأمور الخلافة، وعندما صار الربح وفيراً من عشرة آلاف درهم إلى مائة ألف شك عمر في طريقة الكسب، ولما علم أن التاجر استغل صلة اليتيم بعمر رفض جميع الربح واسترد رأس المال حيث اعتبر الربح خبيثاً فهو يعمل بمبدأ فرضه على ولاته وهو رفض استغلال مواقع المسؤولية في الدولة، ومن هنا قاسم الولاة ثروتهم إذا نمت بالتجارة ، وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن الولاة بإذن الله تعالى، وقد أخذ عمر في زكاة الزروع العشر فيما سقته الأمطار والأنهار ونصف العشر فيما سقي بالآلة ، وهو الموافق للسنة، وكان يوصي بالرفق بأصحاب البساتين عند تقدير الحاصل من التمر ، وأخذ زكاة عشرية من العسل إذا حمت الدولة وادي النحل لمستثمره ، وقد كثرت الحنطة في خلافته، فسمح بإخراج زكاة الفطر من الحنطة بنصف وزن ما كانوا يؤدونه قبل خلافته من الشعير أو التمر أو الزبيب ، وهذا فيه تيسير على الناس، وقبول للمال الأنفس في الزكاة وإن تفاوت الجنس، وأما بخصوص مقادير أموال الزكاة التي كانت تُجنى كل عام فأمر غير معروف، والإشارات التي تذكر بعض الأرقام إشارات جزئية وغير دقيقة، ولا تنفع في إعطاء تقدير كلي، وقد قيل إن عمر بن الخطاب حمى أرض الربذة لنعم الصدقة، وكان يحمل عليها في سبيل الله، وكان مقدار ما يحمل عليه كل عام في سبيل الله أربعين ألفاً من الظهر وأما الموظفون الذين أشرفوا على هذه المؤسسة فقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم في خلافة عمر رضي الله عنه وهم، أنس بن مالك، وسعيد بن أبي الذباب على السراة وحارث بن مضرب العبدي، وعبد الله بن الساعدي، وسهل بن أبي حثمة، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، ومعاذ بن جبل على بني كلاب، وسعد الأعرج، على اليمن، وسفيان بن عبد الله الثقفي كان والياً على الطائف فكان يجبي زكاتها
.

قد يعجبك ايضا
تعليقات