القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

أربعة خطط فاشلة لـلإستيلاء على جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم

130

 

كتبت _ نهال يونس

“يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم”.. مات الرسول عليه الصلاة والسلام فى السنة الحادية عشرة من الهجرة، بعد مرض ألزمه حجرة زوجته السيدة عائشة، ودفن فى هذه الغرفة، وتولى دفن رسول الله ووضعه فى قبره كلّ من على بن أبى طالب، وشقران مولى الرسول والفضل وقثم ابنى العباس، بعد ذلك أصبحت الحجرة النبوية ضمن إطار المسجد النبوى، وحتى الآن لا يزال المسلمون يزورونها مصلين على النبى الكريم ومترحمين على صاحبيه أبى بكر وعمر رضى الله عنهما.. لكن القبر الذى يجله المسلمون ويعظمونه، لم يسلم من محاولات غريبة لـ نبشه فكيف حدث ذلك؟
تذكر كتب التاريخ فى هذا الشأن أربعة محاولات لنبش قبر النبى صلى الله عليه وسلم، جميعها باءت بالفشل:
الحاكم بأمر الله.. المحاولة الأولى
كان الحاكم بأمر الله رجلا غريبا وجميع تصرفاته مختلة، حتى أنه أقدم على نبش قبر الرسول الكريم فى محاولة لنقل جثمانه إلى القاهرة لتوطيد حكمه، وتأتى القصة حسبما يذكرها نور الدين السمهودى الذى عاش فى القرن التاسع الهجرى والذى يعد من أشهر الذين كتبوا عن “المدينة المنورة” فى كتابه فى “وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى” فى الجزء الثانى إنه “وقد وقع بعد الأربعمائة من الهجرة ما نقله الزين المراغى عن (تاريخ بغداد) لابن النجار قال: إن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدى صاحب مصر بنقل النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر، وزين له ذلك، وقال : متى تم لك ذلك شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، وكانت منقبة لسكانها .

فاجتهد الحاكم فى ذلك، وأعد مكاناً، أنفق عليه مالا جزيلا. قال : وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ما جاء فيه، وحضر معهم قارئ يعرف بـ “الزلباني”، فقرأ فى المجلس : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِى دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/12، 13 فماج الناس، وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند، ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم : الله أحق أن يخشى، والله لو كان على من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض فى مثل هذه المخزية .
فلما انصرف النهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحا كادت الأرض تزلزل من قوتها، حتى دحرجت الإبل بأقتابها، والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها وخَلْقٌ من الناس، فانشرح صدر أبى الفتوح، وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره من امتناع ما جاء فيه “.

الحاكم بأمر الله يحاول مرة ثانية

المحاولة الثانية قام بها أيضا الحاكم بأمر الله الفاطمي، وقد نقلها السمهودى فى كتابه الذى ذكرناه سابقا فيقول، إن ابن عذرة ذكر ذلك فى كتاب “تأسى أهل الإيمان فيما جرى على مدينة القيروان” لابن سعدون القيروانى ما لفظه :
ثم أرسل الحاكم بأمر الله إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من ينبش قبر النبى صلى الله عليه وسلم، فدخل الذى أراد نبشه دارا بقرب المسجد، وحفر تحت الأرض ليصل إلى قبر النبى صلى الله عليه وسلم، فرأوا أنوارا، وسمع صائح: إن نبيكم ينبش، ففتش الناس، فوجدوهم، وقتلوهم ” .

حلم نور الدين محمود…

ذكر جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن على الأسنوى (ت 772هـ) فى رسالة له ” الانتصارات الإسلامية ” نقلها عنه على بن عبد الله السمهودي، قصة وقعت سنة (557هـ) فى عهد السطان الملك العادل نور الدين زنكي، أنه السلطان رأى فى نومه النبى صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنجدنى ! أنقذنى من هذين!
فاستيقظ فزعا نور الدين محمود، ثم توضأ وصلى ونام، فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام، فرآه أيضا مرة ثالثة، فاستيقظ وقال: لم يبق نوم. وكان له وزير يقال له جمال الدين الموصلى، فأرسل إليه، وحكى له ما وقع له، فقال له : وما قعودك ؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية، واكتم ما رأيت .
فتجهز فى بقية ليلته، وخرج إلى المدينة، وفى صحبته الوزير جمال الدين .
فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد: إن السلطان قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم، وأحضر معه أموالا للصدقة، فاكتبوا من عندكم، فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم، وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها النبى صلى الله عليه وسلم له فلا يجد تلك الصفة، فيعطيه ويأمره بالانصراف، إلى أن انفضت الناس .
فقال السلطان : هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة؟ قالوا : لا. فقال : تفكروا وتأملوا. فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئا، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج. فانشرح صدره وقال : على بهما، فأُتى بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبى صلى الله عليه وسلم إليهما بقوله : أنجدنى أنقذنى من هذين .
فقال لهما : من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب، جئنا حاجين، فاخترنا المجاورة فى هذا المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: اصدقاني، فصمما على ذلك، فقال: أين منزلهما؟ فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة.
وأثنى عليهما أهل المدينة بكثرة الصيام والصدقة، وزيارة البقيع وقباء .
فأمسكهما وحضر إلى منزلهما، وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه، فرفع حصيرا فى البيت، فرأى سردابا محفورا ينتهى إلى صوب الحجرة الشريفة، فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: اصدقانى حالكما ! وضربهما ضربا شديدا، فاعترفا بأنهما نصرانيان، بعثهما النصارى فى حجاج المغاربة، وأعطوهما أموالاً عظيمة، وأمروهما بالتحيل لسرقة جسد النبى صلى الله عليه وسلم، وكانا يحفران ليلا، ولكل منهما محفظة جلد على زى المغاربة، والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور، وأقاما على ذلك مدة، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة.
فلما اعترفا، وظهر حالهما على يديه، ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره، بكى بكاء شديدا، وأمر بضرب رقابهما، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم، وحفر خندقا عظيما حول الحجرة الشريفة كلها، وأذيب ذلك الرصاص، وملأ به الخندق، فصار حول الحجرة الشريفة سورٌ رصاصٌ، ثم عاد إلى ملكه.

المحاولة الرابعة .. حكاية ابن جبير

يحدثنا عن هذه المحاولة الرحالة ابن جبير فى “رحلته” فى أحداث سنة (578هـ) وذلك بعد وصوله إلى الإسكندرية، حيث قال :
“لما حللنا الإسكندرية فى شهر ذى القعدة، عاينَّا مجتمعا من الناس عظيما، بروزا لمعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال، ووجوههم إلى أذنابها وحولهم الطبول والأبواق، فسألنا عن قصتهم، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقا وجزعا: وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب فى أقرب المواضع التى لهم من بحر القلزم – البحر الأحمر -، ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بِكِراء – أى بأجرة – اتفقوا معهم عليه، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم، وأكملوا إنشاءها وتأليفها، ودفعوها فى البحر، وركبوها قاطعين بالحجاج، وانتهوا إلى بحر النعم، فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركبا، وانتهوا “عيذاب” – قوص – فأخذوا فيها مركبا كان يأتى بالحجاج من جدة، وأخذوا أيضا فى البر قافلة كبيرة تأتى من قوص “عيذاب”، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحدا، وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة أعزهما الله، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها فى الإسلام ولا انتهى رومى ذلك الموضع قط.
ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخراجه من الضريح المقدس.
أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم، فأخذهم الله باجترائهم عليه، وتعاطيهم ما تَحُولُ عنايةُ القدرِ بينهم وبينه، ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم، فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والإسكندرية، قضوا عليهم .

قد يعجبك ايضا
تعليقات