القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

وادي النطرون

113

تقرير _ نهال يونس

مدينة مصرية تتبع محافظة البحيرة. تقع على الأطراف الشمالية الشرقية للصحراء الغربية المصرية، وذلك في منتصف الطريق الصحراوي الرابط بين القاهرة والإسكندرية تقريباً؛ ومواجهة لمدينة السادات. كان لوادي النطرون مكانة كبيرة في العصر الفرعوني لاستخراج ملح النطرون منها المستخدم في تحنيط الموتى، كذلك اكتسبت صفة التقديس في المسيحية لمرور العائلة المقدسة بها. وقد عرفت المنطقة بعدة أسماء أشهرها: حقل الملح وشيهيت والإسقيط وبئر هوكر.

كان أول تجمع رهباني مسيحي على أرض وادي النطرون يعود للقرن الرابع الميلادي على يد مقار الكبير الذي أنشأ دير الأنبا مقار، وهو دير عامر حتى الآن بجانب ثلاثة أديرة أخرى، وهي: دير الأنبا بيشوي ودير البراموس ودير السريان. وكانت المنطقة تحوي حوالي 700 دير في النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي. لذلك تُعد المنطقة من أهم المناطق المكرّمة بالنسبة لأتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

عبر العصور منذ القدم، سُمي وادي النطرون بعدة تسميات، كان أولها هو سِخِت حِماَت، وتعني “حقل الملح” نظراً لتوفر ملح النطرون به.وكانت قديماً تتبع الإقليم الثالث من أقاليم مصر السفلى، وكانت تحمل الرقم 6 في قائمة الواحات السبع المنقوشة على جدران معبد إدفو. وعرف باسم انتت حسمن، وتعني حرفياً “وادي النطرون”، فقد كان في مصر القديمة منبعان لهذا الملح؛ أحدهما في الشمال هو وادي النطرون، والأخرى في الجنوب وهي الكاب. سمي الوادي أيضاً باسم شِت بت وتعني بحيرة السماء، وقد ذُكر هذا الاسم في نصوص الأهرام كمكان لإنتاج البخور، ويُحتمل أن يكون هذا هو الاسم الديني لوادي النطرون في مصر القديمة.

سميت المنطقة في باللغة اليونانية القديمة باسم سكيتيس وتعني “مكان النساك”، وقد اشتق من هذا الاسم كلمة اسقيط بالعربية، فبعد الفتح الإسلامي لمصر؛ عرفت منطقة ما حول المنخفض باسم صحراء الاسقيط، وأطلق على هذا المكان باللاتينية اسم سييتيس، وغالباً هو مشتق من الكلمة اليونانية السابقة، وتنطق باللاتينية أيضاً سيتا وتعني “مكان صحراوي للعبادة”

تسمى هذه المنطقة أيضاً باللغة القبطية باسم شيهيت وشييت، وترد الكلمة الأولى في المخطوطات القبطية التي ترجع لعهود حديثة نسبياً، مثلما ورد في مخطوطة تعود للقرن الثالث عشر الميلادي عن حياة القديس يوحنا كاما.أما الكلمة الثانية شييت فهي الأقدم، ووردت في أقدم المخطوطات القبطية مع إسقاط حرف الهاء لالتباس تفسير الكلمة بين معنى “قلب” ومعنى “شمال” في اللهجة الصعيدية القبطية، لذلك فإن الصيغة الحديثة هي شيهيت التي تعني بالعربية “ميزان القلوب”.

أما في اللغة العربية، فقد أطلق على المنطقة الاسم المترجم عن اللغة القبطية وهو جبل النطرون. ثم أطلق عليها بعد ذلك اسم وادي النطرون، وهو الاسم الشائع حتى الآن. كما أطلق على المنطقة اسم وادي هبيب، وقد اختلف في اللفظ الصحيح لكلمة هبيب، فقد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان باسم وادي هُبّيْب،وهي نسبة إلى “هبيب بن مغفل” أحد عرب غفار من كنانة من الذين شهدوا فتح مكة؛ وقد هاجر إلى مصر واستقر بمنطقة وادي النطرون الخليفة الراشد عثمان بن عفان. وذلك لتجنب الفتة، فصارت المنطقة تُنسب إليه.وذكرها المقريزي باسم وادي هَبِيب، وذكرها ابن دقماق باسم وادي هيت، أما ابن الجيعان فذكرها باسم وادي هُبَيْت.

ترجع أهمية وادي النطرون إلى العصر الفرعوني، فالصحراء الغربية المصرية قديماً كانت في العصور الخالية جزءاً من لوبية، والتي كانت في تلك الآونة قطراً قائماً بذاته ذا كيان سياسي خاص، وكان اللوبيون يغيرون على مصر حينًا بعد آخر، وانتهى الأمر بتغلب المصريين عليهم وضموا الجانب الشرقي للصحراء اللوبية التي ما زالت تابعة لمصر حتى الآن. ومن ثم أصبح وادي النطرون كورة قائمة بذاتها وقسماً إدارياً من أقسام البلاد في العصر الفرعوني، ولكن لا توجد معلومات عن تاريخه في عهدهم، وتدلل آخر الكتابات عن الحروب بين اللوبيين والمصريين أن آخرها كان عام 1170 ق.م في عهد رمسيس الثالث.

أما من حيث الأهمية الدينية لمنطقة وادي النطرون، فهناك العديد من الاكتشافات التي تدل على أن هذه المنطقة كانت تعتبر مقدسة حتى عام 2000 ق.م على أقل تقدير. ومن هذه الاكتشافات تمثال نصفي من الجرانيت الأسود يرجع إلى عصر الأسرة السابعة عشر الفرعونية، وهناك أيضاً بوابة من الجرانيت وأحجار من عتب باب تحمل خراطيش للملك أمنمحات الأول، في مكان يسمى كورة الظهر.

ومن الناحية الدفاعية والإستراتيجية، يعتبر وادي النطرون أقرب واحة لوادي النيل، لذا كان الغزاة القادمون من الصحراء الشمالية الغربية ولا يتبعون الساحل يجدون فيها ما يساعدهم للتقدم نحو الداخل. ومن هنا يعتبر وادي النطرون من الناحية الدفاعية موقع استراتيجي هام لكبح الغزاة المهاجمين لمنطقة غرب دلتا النيل.

وفي عهد الملك نعرمر – مِنا -موحد القطرين وأول ملوك الأسرة الأولى- تم صد هجوم الشعب الليبي الذي غزا غرب الدلتا، حيث اضطر الملك لعقاب الغزاة وأسر حوالي 100 ألف أسير، وعدد كبير من رعاياهم. وعلى جدران معبد ساحو رع -الذي بُني في عهد الأسرة الخامسة- توجد مناظر تصور حملة ناجحة ضد الليبيين الذين هددوا غرب الدلتا. كذلك قصة سنوحي تذكر بعثة أرسلها الملك أمنمحات الأول -مؤسس الأسرة الثانية عشر- تحت قيادة ولي عهده سنوسرت الأول؛ لعقاب وتأديب الليبيين على الحدود الغربية، كنتيجة للغارة التي شنوها على غرب الدلتا التي لم يغفلها المصريون القدماء على مسار تلك السنين. وقد أنشئ هناك حصن في عهده ظلّ يستخدم حتى الحكم الروماني، وما زالت بقايا هذا الحصن موجودة إلى الآن.

وفي عهد الملك أمَنِحُتِب الأول، تم صدّ هجوماً ليبياً آخر على الحدود الغربية. ولقد ولقد ذكرت حروب كل من مرنبتاح ورمسيس الثالث بعض التفصيل، وبيَّنَت النصوص بوضوح أن قبائل البدو الرُّحل الليبيين كانوا يجتاحون غرب الدلتا، وكانت المعارك تدور على مقربة من الأراضي الزراعية، والمقصود بها هي وادي النطرون.

وقد نالت وادي النطرون أهمية خاصة بعد ميلاد المسيح، فقد مرت به العائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر هرباً من بطش الملك هيرودس حاكم اليهودية. فبعد أن زارت العائلة تل بسطة ومنية سمنود، عبرت النهر إلى الضفة الغربية لنهر النيل – فرع رشيد، ورأوا من بعيد وادي النطرون الذي باركته العذراء مريم حسب المصادر المسيحية، ومنها ارتحلوا جهة جنوب الشرق نحو القاهرة ثم إلى الصعيد حتى أسيوط.وفي العصور المسيحية الأولى؛ سكن النُسّاك والرهبان المسيحيين وادي النطرون أو صحراء الأسقيط كما كان يُطلق عليه وقتها، إذ كان يُعد من أهم المواقع المسيحية في مصر خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين.

ولقد اكتسبت هذه المنطقة شهرتها من سيرة الرهبان الذين استوطنوها واتخذوها مقراً لنسكهم وعبادتهم، حيث بدأ الحياة الرهبانية بالمنخفض القديس الأنبا مقار عام 330 م، وسريعاً امتلأت الصحراء بالأديرة، وكانت حوالي 700 دير. ثم بقى منها في القرن الخامس عشر الميلادي سبعة أديرة حسب كلام المقريزي. وما زال هناك أربعة أديرة عامرة بالرهبان حتى الآن.

امتدت المنطقة عمرانياً ابتداءً من منتصف القرن العشرين على النشاطات الزارعية والصناعية وتوسعت وادى النطرون بصورة كبيرة. وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 351 لسنة 1963 بإنشاء مدينة وادى النطرون رسمياً كوحدة محلية تابعة لمحافظة مطروح، حتى نُقل تبعيتها لمحافظة البحيرة عام 1966 بقرار جمهوري رقم 2068 من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات