كتبت – سالي جابر
داخل كل شخص حلم يتمناه، يحلم ليكونه، يحارب طواحين الهواء لتمتليء رئتيه بأكسجين الحلم.
بينما هناك من لا يستطيع صعود الجبل، والركض على حافتي النهر، يخاف الهبوط من أعلى، أو الانزلاق للأعماق.
في حين أن هناك من يحاربون من أجل الدفاع عن كلمة، عن عِرض، عن شرف، عن وطن… ويستشهدون يحملون ترابه، يُحملون على الأعناق مكفنين بعلمه، هناك من يشترون لقب ليس بإمكانهم الفوز به عن كد وجهد.
جميعنا رأي فلان وفلان يفخمونهم بألقاب ليست لهم، يفرحون بها، لكن السؤال الذي يستحق التمحيص؛ ما الفارق بين من يحمل روحه بين كفيه كل يوم وهو خارج لحماية الوطن، وبين من يشرب قهوته على مهل مع الرقص على سلالم الحياة، يسترخي بين طيات حلمه ثم يتوقف ليشترى لقب؟
وبعد فترة من سريان المأزق في شرايين الحياة كالسم القاتل تفهمت أن السر هنا يكمن في تقدير الشخص لذاته واستحقاقه للنجاح.
قال تعالى في سورة الزمر:” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُون”
من يعمل ويكد ويتعب ومن لا يعمل، من يقرأ ويتفحص ويلخص ومن لا يجهد نفسه، لا والله لا يستويان .
الفارق هنا أن من تسأله يجيب بثقة بينما الآخر واقفًا مهزوزًا يتأرجح ويثب ولا يقف على أرض صلبة( العلم) .
وهناك من يشتري تلك الشهادة بماله ثم يعمل محاولًا الوصول، لكن لذة النجاح دائمًا بالعمل والجهد للوصول، الاستمرارية في السعي، من يفعل ذلك ليست لديه القدرة على السعي، خائف من الفشل، لا يملك الصبر ويريد النتائج سريعة.
وهذا أكبر دليل على عدم الثقة وعدم أحقيته بذلك، ولكن لماذا تدني مستوى الفكر إلى هذا الحد، وما مصير العلم إذا كان طلابه لا يرفعون علمه مرفرفًا على أرضهم، لا يشهرون سلاحه أمام المهزوزين؟
المصير المحتوم هو انتشار الجهل، ونجد داخل السرداب كم من يملكون القدرة على إجابة التساؤلات الصعبة، أصحاب العلم، الذين لا يحملون هم الشهادات والألقاب، بينما يهتمون بالبحث والتجريب.
الجميع يعلم الحقيقة، وأن طريق العلم مليء بالأشواك، وسمائه مرصعه بالتعب، كما يعلمون أن الجنة حفت بالمكاره، وفي هذا عبارة الإمام يحي ابن أبي كثير حيث قال:” لا يستطاع العلم براحة الجسد”
وقال ابن تيمية:” لذات الدنيا لا تُنال غالبًا إلا بنوع من التعب”
فإن دائمًا الملهيات عن التعب والعمل ليست جذابة أصلًا؛ إنما هي وسيلة هروب نفسي من المهام، واستخدام ميكانزمات دفاع عن نفسك لتشتري الطريق الأسهل والأقرب حتى وإن كان باهظ الثمن، لكنك تشتري به راحة جسدية.
وكما قال الفنان عادل إمام في إحدى مسرحياته الجملة الشهيرة:” بلد بتاعت شهادات صحيح”
يشتري شهادة ويتم وضعها في برواز على الحائط، ليكون حينها جاهلًا مغرورًا .