القاهرية
العالم بين يديك

الصمت لغة وحال

174

بقلم رانيا ضيف

الصمت لغة وحال، نصمت حينما نجد الكلام عاجزًا عن وصف الشعور، نصمت حينما نشعر بخيبة الأمل، عندما لا يجدي الحديث نلوذ بالصمت، وقد نصمت لنطلق العنان لحديث العيون، فهو لغة العاشقين، الصمت سمت العظماء والحكماء وعلاج الباحثين عن ذواتهم الضائعة.

رأى نزار الصمت في حرم الجمال جمال فقال في قصيدته لتلميذته ؛
قُلْ لي ولو كذباً كلاماً ناعماً
قد كاد يقتُلُني بك التمثالُ
مازلتِ في فن المحبة طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبالُ
—لم تستطيعي بَعْدُ أن تَتَفهَّمي
أن الرجال جميعهم أطفالُ
إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مهرجاً قزماً
على كلماته يحتالُ
فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً
فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ
كَلِماتُنا في الحُبِّ تقتلُ حُبَّنَا
أن الحروف تموت حين تقال .

بينما عبر وليم هنريت عن الصمت بقوله ” الصمت فن عظيم من فنون الكلام. رب الصمت أروع من الكلام.

كما قال علي بن أبي طالب في الصمت ” إذا تم العقل نقص الكلام”.
وحكمة عمرو بن العاص في الصمت “الكلام كالدواء وإذا أنقصت منه نفع وأن أكثرت منه قتل “.

بينما قال لقمان الحكيم  : “إن من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من وخز الإبر وأمر من الصبر وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها”.

أما عن معنى فليقل خيرا أو ليصمت
رأيت ابن عباس رضي الله عنه آخذا بلسانه وهو يقول: ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم”. فمن علم ذلك لا يسعه إلا تقوى الله فلا يتكلم إلا بخير أو يسكت .
وفي هذا المجال –قال الإمام الغزاليّ: إنّ اللّسان نعمة من نعم اللّه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان ، فمن أطلق اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، ولا نجاة من خطر اللّسان إلّا بالصّمت..
قال صلى الله عليه وسلم:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

أما الماورديّ: فقال أنّ الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر،فعلى العاقل أن يحترز من زلاته بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه.و للسان آفات كثيرة ٌ، منها: الكذبٍ.. والغيبة .. والنميمة.. والنِفاق وغيرها من الفواحش .. ومع كل هذا نجد أن النفس البشرية تميل إليه لأنها سبَّاقةٌ إلى اللسان، . وعلى العاقل في هذه المواقف أن يلزم الصمت ، فما أكثر من ندم إذا جعل لسانه يسبقه وأقل من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق .

وَجَدتُ سُكوتي مَتجَراً فَلَزِمتُهُ
إِذا لَم أَجِد رِبحاً فَلَستُ بِخاسِرِ
وَما الصَمتُ إِلّا في الرِجالِ مُتَاجِرٌ
وَتاجِرُهُ يَعلو عَلى كُلِّ تاجِرِ
الإمام الشافعي

وقال لقمان الحكيم :
“الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا
ما إن ندمت على سكوتي مرّة لكن ندمت على الكلام مرارا.”

وعن مالك بن دينار عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب( يا أحنف، مَنْ كثر كلامه كثر سَقَطه،ومن كثر سقطه قَلَّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قل ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه ).

أما أبو الحسن البصري فقد قال في هذا المجال: ( لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلَّم فكَّر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت، وقلب الجاهل من وراء لسانه ) .

عن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرها؟
قلت: بلى
قال:طول الصمت وحسن الخلق فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما”.

وبعد أن سردنا الكثير عن الصمت من منظور ديني وأدبي وفلسفي سنعرج سريعا على نصيحة المرشدين الروحانيين والنفسيين عن تجربة الصوم عن الكلام،
قد نتعلم بالصمت ما لا نتعلمه بالكلام، فإحدى وسائل تربية النفس والوصول لذواتنا الحقيقية الصيام عن الكلام لعدة أيام فلا نحدث أحدًا لنتصل بأنفسنا، وأثبتت هذه التجربة نجاحها فنتائجها مفيدة وثرية لكل من مر بها، مثل التحكم في الأفكار ومن ثم التحكم في العقل
تعلم مراقبة الأشياء والأحداث دون إطلاق الأحكام، عيش الحياة بعقل يقظ ونفس هادئة مسالمة متصلة بذاتها .
فلو كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب .

قد يعجبك ايضا
تعليقات