القاهرية
العالم بين يديك

حث التراب في وجه المدَّاح كيف يكون؟

126

كتب_فرج العادلي

بداية أقول: إن مدحك لغيرك إن كان في غيبته فهو جائز باتفاق، وإن كان في حضرته فإن كان بصدق فهو جائز أيضًا، لكن بغير إسراف.

والمدح يختلف عن الترجمة، فالترجمة أن تذكر ما قام به الشخص حقيقة، وما حصَّله فعلًا سواء من علوم، أوشهادات، أو ألقاب، أو تكريم أو…، وهذا لا حرج فيه أيضًا، بل يجب فيه الصدق، والإنصاف حتى بين المخالفين، والأعداء، ولنا في الإمام الذهبي _رحمه الله تعالى_ في سير أعلام النبلاء_ قدوة حسنة في ذلك.

نأتي للمدح وحث التراب

أما حديث النبي _صلَّى اللهُ عليه وسلَّم_:«إذا رأَيْتُم المدَّاحينَ فاحثُوا في وجوهِهم التُّرابَ»

صحيح ابن حبان.

فالمدح هنا ليس بمعنى الترجمة، وإنما قديمًا كان بعضهم يمدح مدحًا فاحشًا بما ليس في الممدوح، لا سيما الشعراء منهم.

فيقول أحدهم مثلًا.

ألستم خير من ركب المطايا* وأندى العالمين بطون راح.

وهذا شيء عظيم، فهذه الأوصاف لا تكون بل لا تليق إلا بمثل محمدٍ _صلى الله عليه وسلم_

وعلى هذا فينبغي حث التراب في وجه هذا المادح.

لكن ما هي كيفية حث التراب؟

قال ابن العربي_ رحمه الله تعالى_ وليس هذا يعني أن تضربه في وجهه بالتراب فتعمي بصره، وإنما أن تلقي حفنة من التراب أمامه، أو تحت قدميه، وكأنك تخبره أنك من هذا التراب خُلقت وستعود، وأنني لا أستحق كل ما ذكرت لأنني من هذا التراب.

هذا وحث التراب في وجه المادح ليس واجبًا، بل يمكن أن تكتفي بقول شيء يدل على عدم الرضا بهذا المدح الزائف، كغفر الله لي ولك، أو أي شيء من هذا القبيل.

أعود فأقول:

المدح بصدق جائز، ولا يضر الممدوح إلا نيته في أول العمل لا في منتصفه أو نهايته، وأما الترجمة فلا خلاف في جوازها، لكن المنهي عنه هو المدح بباطل وكذب بغية شيء دنيوي.

أخيرًا

الكلمة الطيبة صدقة، وشكر الناس من شكر الله تعالى، والثناء قد يكون بشرى عاجلة للمؤمن في الحياة الدنيا، ونفسه حب الناس من المبشرات…،

فعلينا أن نتكلم في التعديل ايضًا كما نسرف في التجريح.

والله أعلى وأعلم

قد يعجبك ايضا
تعليقات