كتب د _إسلام أبوزيد
كان اختيار قرار انطلاق حرب السادس من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان في وقت الصوم اختيارًا ذكيًا غير تقليديًا من القيادة السياسية والعسكرية، للاستفادة من عوامل المفاجأة، وأيضًا من المشاعر الإيمانية في شهر الإيمان، الأمر الذي كان له أثره البالغ في معنويات المقاتلين، فكانت صيحة “الله أكبر” والتي صدرت عن جميع الجنود دون اتفاق مسبق هي تعبير تلقائي عن الحالة الإيمانية التي هم فيها، فزلزلت الأرض من تحت أقدام الأعداء لحظة العبور – وهو ما ظهر في كتاباتهم وشهاداتهم بعد الحرب – و كانت أحد مفاتيح النصر في العاشر من رمضان.
وقد شكلت قناة السويس مانعاً مائياً صناعياً صعب العبور، إذ يبلغ عرضها ما بين 180 إلى 200 متر، وأجنابها حادة ومكسوة بالحجارة مما يمنع عبور الدبابات البرمائية، بالإضافة إلى ذلك أنشأ الإسرائيليون سداً ترابياً على الضفة الشرقية أسسوه على التلال الرملية الناتجة من حفر القناة عند شقها، وعلى طول هذا السد شيدوا خطَّ دفاعٍ منيعٍ جداً مؤلفٍ من خمسةٍ وثلاثين حصناً منيعاً من بور فؤاد شمالاً إلى لسان بور توفيق جنوباً أطلقوا عليه “خط بارليف” نسبةً إلى حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي السابق. استندت خطة العبور بعبقرية إلى فتح ثغراتٍ في الساتر الترابي الشرقي لإنشاء رؤوس الجسور وتسهيل عبور المشاة والمعدات والمركبات باستخدام فكرةٍ بسيطةٍ ولكنها فعالةٌ، وهي التجريف بضغط المياه باستخدام المضخات وخُصِّص لكل ثغرةٍ خمس مضخاتٍ يمكنها إزاحة 1500 متر مكعب من الأتربة خلال ساعتين بعدد أفراد من 10 إلى 15 جندي.
ومن جوانب العبقرية في العبور للتغلب على نيران النابالم المشتعلة على سطح القناة خُطِّط لسد فتحات أنابيب المواد المشتعلة قبل بدء العبور بمادة قوية سريعة التصلب، مع قصف خزاناتها بالمدفعية أثناء فترة التمهيد المدفعي الذي يسبق الهجوم، وانتخاب نقط عبور فوق اتجاه التيار لتفادي تأثير السائل المحترق. ولتدعيم المشاة العابرة إلى الضفة الشرقية بالذخيرة والمؤن -ريثما يبدأ عملُ الجسور وبجري نقلُ المعداتِ والأسلحةِ الثقيلة- جرى تغيير الشدات الميدانية لجنود المشاة لتسمح بحمل أوزانٍ تصل إلى ثلاثين كيلوجراماً وبحيث تسمحُ للجندي بالتحرك بيسرٍ داخل أرض المعركة. وتم إمدادهم بعربات جر يدوي يمكنها حمل مئةٍ وخمسينَ كيلوجراماً من الذخيرة والمعدات ويمكن جرها بواسطة فردين. كما زُودوا بنظاراتٍ مُعتمةٍ يُمكن ارتداؤها لمواجهة الأضواء المبهرة التي قد تستخدم لإعاقة ضرباتهم. بالإضافة إلى سلالم الحبال المستخدمة في البحرية المصنوعة من درجاتٍ خشبيةٍ وأجنابٍ من الحبال مما يسهل طيه وحمله ويمنع غوص أرجل الجنود وعرباتهم في رمال الساتر الترابي.
وعقب بدء الهجوم حققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها من شن الحرب على إسرائيل، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطمت حصون خط بارليف وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.
رئيس مجلس إدارة جريدة القاهرية