كتب_فرج العادلي
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
أولًا: الحضانة ليست موضعًا للنزاع، أو المنافسة بين طرفين، والذي يلتقطها أولًا يكون في عين نفسه، ومجتمعه هو الأجدر بل والأعلى كعبًا من غيره، بل لا يكون فاتحًا أومنتصرًا على خصمه، لأن الحضانة عبارة عن «طفل صغير أو طفلة ضعيفة» أعني أن الحضانة «أمانة»، وتكليف وليست تكريمًا وتشريفًا، ومن يضيعها أو يقصر في حقها فقد خسر الدنيا، والآخرة.
ثانيًا: الحضانة لا يُنظر فيها للرجل ولا للمرأة، وإنما يُنظر فيها للطفل فقط «ومصلحلة الطفل نفسه»
وحينما نمعن النظر فيما ينفع الطفل نجده ينقسم إلى قسمين.
القسم الأول: الطفل الصغير الذي يحتاج إلى رضاعة، ورعاية، من تنظيف، وإحمام، وسهر عليه حال المرض، و شفقة، وصبر، وطول صحبة له، وتفرغ، وعدم مفارقته من أجل العمل طوال النهار كما هو الحال في الرجال… وهذا باتفاق الدنيا كلها بمسلميها وغير مسلميها بل إن عبدة الأوثان لا يختلفون أن الأنفع للطفل والأصلح في هذه المرحلة هي الأم، ومن بعدها الخالة، وأم الأم.. الخ، كما نص الفقهاء _رحمهم الله تعالى _ وفصلوا،
وهذا فيه نص شريف
فعَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ، مَا لَمْ تَنْكِحِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
والظاهر أن هذا الطفل كان صغيرًا لا يستقل بنفسه، وسنوضح ذلك بعد قليل_إن شاء الله تعالى_
القسم الثاني: الطفل المميز الذي يحتاج إلى تدريب على العبادات، وتدريب على الاعتماد على النفس، ويحتاج إلى العزم، والحزم في كثير من المواقف، والأمور المتعلقة بالتربية، فإن الطفل في هذه السن يكون صعب المراس، وإن الأم أضعف من أن تقوم بكل هذا وحدها _مع فضلها الذي لا يُنكر، لكن طبيعة المرحلة تحتاج إلى قوة، ورحمة، والرحمة قد تكون شدة أيضًا، أما الأم فيغلب عليها الشفقة فقط، والشفقة لا شدة فيها أبدًا اللهم إلا لحظات ثم تشعر بالتأنيب فتعود.. فالأصل للطفل بعد أن استقل بنفسه عن احتياجه لأمه هو الوالد …
وهذا فيه نص أيضًا
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ نَفَعَنِي، وَسَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا غُلَامُ، هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ، فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
والظاهر أن التخيير يكون حال التمييز..
هذا كله حال أن الأم كانت صالحة، وليست مضرة بالطفل من حيث السلوك، والإهمال، أو ليست متزوجة أما إن كانت سيئة، وتهمله فقطعا لا يمكن أن تحتضن نفسًا صغيرة ضعيفة فتضيعها، وهذا باتفاق العقول في كل المجتمعات.
ثالثًا: الأم والزواج.
إذا تزوجت الأم فإنه عقلًا ومنطقًا لن تكون الأصلح للطفل، لأمور.
١_ لأنها ستكون مشغولة بزوجها فله جميع الحق في وقتها ونفسها.
٢_ إن زوج الأم لا يستطيع أن يتحمل ما يتحمله الوالد، فإذا أراد الزوج زوجته مثلا، وجاء الطفل واحتاج أمه في هذا الوقت فلن يكون سهلًا على نفسية زوج الأم، بل ربما يتحول الأمر لمشكلة، أو غضب، أو كره، بخلاف الوالد الذي قد يفضل طفله على نفسه،
والمرأة لا حيلة لها مع زوجها فهي الطرف الأضعف _ للأسف الشديد_ وهذه ثقافة مجتمعية وليست مشكلة شرعية.
٣_ إن «بعض» أزواج الأمهات ليسوا أمناء على بنات وأولاد الزوجة، فقد يختلي بالولد أو الفتاة ويوقع بهم أضرارًا كبيرة وهذه أمور معروفة ومشهورة في المجتمعات للأسف الشديد
..٤_ لا يجب على زوج الأم أن ينفق ويرعى، ويربي طفل غيره.
٥_ بعض الأزواج يغار من طفل غيره، لأنه يذكره بزوج امرأته السابق.
رابعًا: دور القاضي.
غالب دول المسلمين الأمر موكولٌ للقاضي، فالقاضي ينظر في حال الزوج، والزوجة ومن الأنفع، ومن الأصلح، ثم يحكم فقد تكون المرأة هي الأحق بالطفل حتى وإن كانت متزوجة، لأن الوالد قد يكون فاسقًا، أو فاسدًا، أو كثير الأسفار، أو به خلل في عقله، أونفسه.
وقد يكون الزوج هو الأحق بالحضانة حتى وإن كانت الأم ليست متزوجة، وذلك لأنها ربما تكون قاسية على خلاف الفطرة، أو مهملة، أو ليست صالحة، أو بها خلل عقلي، أو نفسي.
المهم أن الحضانة تكون للأنفع للطفل وحده.
ملاحظة
الحضانة لا تعني الولاية
فالحضانة ليس فيها إطلاقًا منع الطرف الآخر من رؤية الطفل، وصحبته، والمشاركة في تربيته، فالحضانة للأم لا تسقط حق الولاية للأب، والولاية للأب لا تسقط حق الحضانة للأم، وليس لأحدهما منع الآخر من صحبة الطفل.
وهذا والله أعلى وأعلم.