القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

مذاق خاص لشهر شعبان وبدع يجب تجنبها

128

 

كتب د _ عيد علي

يتشوق المسلمون تشوقا ليس له نظير لقدوم شهر رمضان ويأتي شهر شعبان مبشرا بقدوم شهر القرآن وإن كان لشهر شعبان نفحات حيث اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور، ويُقال أنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان”.

فهكذا الأيام تمضي و الشهور تنقضي ، والتاريخ يدور دورته، فتقبل الأيام المباركة تُبشِّر بقدوم شهر القرآن، وبين يدي هذا القدوم يهلُّ علينا شهر شعبان، مذكرًا جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير، فيفرحوا بقدومه ويستبشروا به خيرًا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

فقد روى الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “… وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ”. ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة العظيم فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها على عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان
وهذه أم سلمة -رضي الله عنها- تقول: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان”. ومن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: “وكان أحب الصوم إليه في شعبان”.

حيث أن شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل الناس عن العبادة فيه؛ نظرًا لوقوعه بين شهرين عظيمين؛ هما: رجب الحرام ورمضان المعظم، وفيه قال الحبيب: “ذلك شهر يغفل عنه الناس”.
وقد انقسم الناس بسبب ذلك إلى صنفين:
صنف انصرف إلى شهر رجب بالعبادة والطاعة والصيام والصدقات، وغالى البعض وبالغ في تعبده في رجب؛ حتى أحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه أكثر من شعبان.

والصنف الآخر لا يعرفون العبادة إلا في رمضان، ولا يقبلون على الطاعة إلا في رمضان، فأصبح شعبان مغفولاً عنه من الناس، واشتغل الناس بشهري رجب ورمضان عن شهر شعبان، فصار مغفولاً عنه؛ ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عزَّ وجلَّ، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: هي ساعة غفلة.

فهي دعوة لوقفة مع النفس، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله؟ وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق

كذلك يجيب تجنب البدع في الشهر الكريم فقد اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام. وهذا باطل؛ فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ، وهي في رمضان؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف ما دلَّ عليه القرآن في هذه الآيات. وبعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين، وهذا أيضًا لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيها: «كل بدعة ضلالة».

أما حديث “إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها” فقد رواه ابن ماجه ، والبيهقي في الشعب ، وابن الجوزي في العلل المتناهية وقال: حديث لا يصح. وقال البوصيري رحمه الله تعالى: هذا إسناد فيه ابن أبي سبرة، واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة، قال أحمد وابن معين: يضع الحديث. وقال المباركفوري: ضعيف جدًّا

ومن البدع المنكرة في شهر شعبان ما أحدثه بعض الناس في القرن الخامس من تخصيص ليلة النصف بصلاة سموها صلاة الألفية، وأول من ابتدعها ابن أبي الحمراء سنة 448هـ وكان حسن التلاوة؛ حيث قام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل وهكذا، فما ختمها إلا وهو في جماعة، ثم جاء العام القادم فصلى معه خلق كثير وشاعت وانتشرت . قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمائة، ونشأت من بيت المقدس، فوضع لها عدة أحاديث). قال أبو شامة رحمه الله تعالى: (وللعوام فيها افتتان عظيم… وزين لهم الشيطان جعلها من أصل شعائر المسلمين) .

وصفتها ما جاء في الأثر المكذوب “يا علي، من صلى مائة ركعة في ليلة النصف، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات. يا علي، ما من عبد يصلى هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة”. رواه ابن الجوزي في الموضوعات من عدة طرق، ثم قال: (هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء، والحديث محال قطعًا… وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها من الصلوات شبكة لمجمع العوام، وطلبًا لرياسة التقدم، وملأ بذكرها القصاص مجالسهم، وكل ذلك عن الحق بمعزل)

والمحذور هنا هو تخصيص هذه الليلة بصلاة دون غيرها، أو أداء الصلاة فيها على الصفة المذكورة المنكرة، قال أبو شامة رحمه الله تعالى: (المحذور المنكر تخصيص بعض الليالي بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة، وإظهار ذلك على مثل ما ثبت من شرائع الإسلام كصلاة الجمعة والعيد وصلاة التراويح، فيتداولها الناس وينشأ أصل وضعها ويُربَّى الصغار عليها قد ألفوا آباءهم محافظين عليها محافظتهم على الفرائض بل أشد محافظة، ومهتمين لإظهار هذا الشعار بالزينة والوقيد والنفقات كاهتمامهم بعيدَيِ الإسلام بل أشد على ما هو معروف من فعل العوام، وفي هذا خلطوا ضياء الحق بظلام الباطل)

وخير من هذا كله ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله r قال: “يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” وهذا من فضل الله تعالى وكرمه ورحمته بهذه الأمة أن جعل ذلك في كل ليلة، فله الحمد أولاً وآخرًا.

ومما يشرع في شهر شعبان أن من عليه قضاء من رمضان لا يجوز له تأخيره حتى دخول رمضان الذي يليه من غير عذر؛ عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: “كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ

ومما ينهى عنه في شعبان صيام يوم الشك؛ لما رواه صِلَةُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ -رضي الله عنه- فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَأُتِي بِشَاةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: (مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ)

قد يعجبك ايضا
تعليقات