مقال نهاية مأساوية لبعض مشاهير الكُتاب من كتاب ” دموع متحجرة وأخرى تنهار” للكاتب المهندس سمير المطيعي .
” لا شكّ أنّ الحياة كانت تبدو رائعة جميلة
لو كنّا نولد فى سن الثمانين ونقترب على
مر الأعوام من الثانية عشر ”
” من هو هذا الإنسان الذي يستطيع
أن يفخر بأمراضه ويختال بها ؟”
دوستويفسكي
************
يعد بوشكين من أهم شعراء روسيا فقد لُقّب بـ”مجد الأمة”، وكان هدفه قبل كل شئ أن يكون شاعرًا حرًا، كان يقول “من يجب أن نخدم ؟ هل يجب أن نخدم الشعب أم نخدم الدولة ؟
ولعل موقف بوشكين هذا عرّضه للمنفى عدّة مرات، وصنع له أعداء كثيرين إضافة إلى علاقته غير الجيدة مع القيصر نيقولاي الأول، الذي كان، وبصرف النظر عن مهنته الملكية، يراقب عن كثب أقلام كُتّابه.
لقد كان بوشكين طيلة حياته غير مرتاح ويتصرف بفخر وبحدة، وكان زير نساء لا يعرف الكلل والملل. وتم استقبال زواجه بـ “نتاليا ” بالارتياح، فأخيرا سيستقر الشقي الرهيب. لكن زوجته كانت مغرية وجذابة بشكل لا يُقاوم، حتى بالنسبة للقيصر نفسه،وكان بوشكين غيورًا جدًا !
أراد أن يكسب المال بالعمل ككاتب؛ ليتمكن من إعالة أسرته، لكن نتاليا يجب أن تكون بعيدة عن أعين النبلاء الجشعة، ومن أجل هذا الغرض، أسس بوشكين مجلة أدبية، لكن الواقع كان مخيبًا للآمال، وكانت إيراداتها شحيحة، وعندما وصل الدين إلى أذنيه، اضطر بوشكين إلى قبول تعيينه وصيفا في البلاط ؛ الأمر الذي فرض عليه حضور الحفلات الراقصة في القصر مع زوجته الجميلة.
في هذه المرحلة وصلته رسالة مجهولة تقول إن أمرًا صدر بأن يحظى الديوث بشرف تعيينه مساعدًا ومؤرخًا رسميًا،والمذنب في تلويث شرفه هو رجل واحد ؛ إنه جورج تشارل دانتيس، الرجل المتأنق الذي يهدف إلى انتزاع زوجته نتاليا. ولم يكن أمام الشاعر خيارت إلا دعوة الجاني للمبارزة، فوقف رجلان على بعد عشر خطوات عن بعضهما وهما يوجهان مسدسيهما اللامعين كلّ على الآخر، البارون جورج دانتس، ضابط فرنسي في الخدمة الروسية، هو من أطلق أولا، دخلت الرصاصة معدة خصمه، وتهاوى الشاعر ألكسندر بوشكين على الثلج، وخلال ثوان نقلوه إلى منزله على مزلجة، وبعد 48 ساعة من العذاب، وفي 28 يناير من عام 1837، أغمض الشاعر الروسي عينيه للمرة الأخيرة.
اجتمع حشد كبير من الناس أمام منزل بوشكين بعد سماعهم نبأ مقتله، وأمر نيقولاي الأول شرطة الحماية بإخفاء تفاصيل الجنازة، خوفاً من اندلاع ثورة. دُفن بوشكين في الليل وبسرعة كبيرة في دير سفياتوغورسك .
بعد وفاة بوشكين، لام الشاعر وضابط سلاح الفرسان الشاب، ميخائيل ليرمنتوف، في قصيدة له وُزّعت بشكل غير رسمي، المجتمع الراقي لأنه شريك في جريمة قتل بوشكين وطالب بعقاب مثالي لدانتيس. وبسبب هذا، أرسل القيصر ليرمنتوف إلى القوقاز، الذي كان بحالة حرب في ذلك الوقت، معتقدا أن نفيه قد يضع حدًّا للفضيحة ويكون علاجًا جيدًا لذلك الرجل اليافع المجنون، لكن بعد عودة ليرمنتوف من القوقاز، كان قد أصبح مشهورًا، ليس بسبب موقفه المتهور بل لأعماله العديدة .
دعونا نتحدث ولو قليلا عن ميخائيل ليرمنتوف ..
في العام 1841 ذهب الشاعر إلى القوقاز وهناك قابل ليرمنتوف نيقولاي مارتينوف، رفيقه القديم في السلاح، والذي أراد أن ينخرط اجتماعيًا بين فتيات النبلاء المحليين، متجولا ببذلته العسكرية القوقازية. مما جعل ليرمنتوف يسخر من مارتينوف بنكت مهينة. لكن مارتينوف كان صبورًا حتى بدأ الشاعر بالسخرية منه علنا أمام النساء،وهنا قرر الصديقان القديمان إجراء مبارزة .
الحقيقة المذهلة هي أن ليرمنتوف يصف في أشهر رواياته، “بطل من هذا الزمان”، والتي انتهت قبل عام من وفاته، مبارزة بين بطل الراوية، واسمه بيتشورين، وغروشنيتسكي المهمل الثرثار، الشخصية التي تشبه مارتينوف. في الرواية يقتل بيتشورين غروشنيتسكي، لكن اتضح أنه في الحياة العملية حدث العكس تمامًا .
في الخامس عشر من يوليو، أسفل جبل ماشوك، أخطأ ليرمنتوف عمدًا، لكن مارتينوف تعمد إصابة هدفه. قُتل الشاعر البالغ 27 من عمره على الفور. ويُقال أن عاصفة قوية عصفت في تلك اللحظة تحت الأمطار الغزيرة، وبرفقة صديقه الوحيد، بقيت جثته تحت رحمة الطبيعية لساعات عديدة، وعندها علق القيصر الروسي نيقولاي عند سماعه بخبر مقتل ليرمنتوف بسلاح صديقه فقال “ميتة كلب لكلب” . لكنه أضاف بعد دقائق ” الشخص الذي يمكن أن يحل محل بوشكين، الآن ميت .
بعد يومين، ومن دون حفل ديني (فالذين يموتون في مبارزة لا يستحقون قدّاسًا)، دُفن الشاعر في مقبرة بياتيغورسك حيث جاء قليلون لتقديم احترامهم الأخير. نُقل جسد ليرمنتوف إلى مدفن العائلة .
أما الشخصية الثالثة التي أود الحديث عنها فهو إرنست ميلر همنغواي، الكاتب الأمريكي الذى يعد من أهم الروائيين،و كُتاب القصة الأمريكيين، كتب الروايات والقصص القصيرة و لقب بـ ” بابا”، و غلبت عليه النظرة السوداوية للعالم في البداية، إلا أنه عاد ليجدد أفكاره فعمل على تمجيد القوة النفسية لعقل الإنسان في رواياته، غالبا ما تصور أعماله هذه القوة وهي تتحدى القوى الطبيعية الأخرى في صراع ثنائي وفي جو من العزلة والانطوائية، شارك في الحرب العالمية الأولى و الثانية، حيث خدم على سفينة حربية أمريكية كانت مهمتها إغراق الغوصات الألمانية, وحصل في كل منهما على أوسمة، و أثرت الحرب في كتابات هيمنجواى وروايته .
عاش هيمنغواي حياة اجتماعية مشاغبة، تزوج أربع مرات وكانت له عدة علاقات عاطفية،وولع غريب بمصارعة الثيران .
عَكَس أدب هيمنغواي تجاربه الشخصية في الحربين العالميتين الأولى و الثانية والحرب الأهلية الأسبانية و تميز أسلوبه بالبساطة و الجمل القصيرة وترك بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار هيمنغواي واحدًا من أهم أعمدته. شخصيات هيمنغواي دائمًا أفراد أبطال يتحملون المصاعب دونما شكوى أو ألم، و تعكس هذه الشخصيات طبيعة همنغواي الشخصية .
حصل على العديد من الجوائز في الصحافة والأدب عام 1953، كما حصل على جائزة نوبل للأدب في عام 1954 عن رواية العجوز و البحر.
فى أخر حياته انتقل للعيش في منزل بكوبا . حيث بدأ يعانى من اضطرابات عقلية، حاول الإنتحار في ربيع عام 1961، وتلقى العلاج بالصدمات الكهربية، وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من إكماله الثانية والستين من العمر، وفي صباح أحد أيام عام 1961 وفي منزله وضع حد لحياته بإطلاق الرصاص على رأسه من بندقيته .
همنغواي نفسه حمل العلاج بالصدمات الكهربية مسئولية تدميره نفسياً بسسبب فقدانه للكثير من ذكرياته، لكن لأسرة همنغواي تاريخ طويل مع الإنتحار . حيث إنتحر والده ” كلارنس همنغواي” أيضًا، كذلك أختيه غير الشقيقتين أورسولا وليستر، ثم حفيدته مارغاوك همنغواي.
ويعتقد البعض وجود مرض وراثى في عائلته يسبب زيادة تركيز الحديد في الدم مما يؤدى إلى تلف البنكرياس ويسبب الاكتئاب أوعدم الاستقرار في المخ . ما دفعه للإنتحار في النهاية خوفا من الجنون، و فى الوقت الحالى تحول منزله في كوبا إلى متحف يضم مقتنياته وصوره .