القاهرية
العالم بين يديك

رسالة إلى مجهول الرسالة العاشرة( البوح الكتوم)

124

بقلم/ سالي جابر

أرهقني الصمت وازداد الخوف في قلبي، أتعبني البوح لنفسي وكتمان دموعٍ كانت فقط في محرابي، أنا الشمعة التي احتضنت الألم بداخلها فأحرقها رويدًا رويدًا، كنت إليك عبق الزهور، عندما أبعث إليك وردة كنت اخلع عنها شوكها حتى لا تصيب يديك، ولهذا كنت أنا…الكائن الضعيف الذي لم يتدارك الخطر إلا حينما أصابه وابلٌ منك، فرأيت أن من الحب أن آخذ قلبي بين ذراعيَّ أولًا؛ احتضنه، أزيح غبار الشوق من عدسات عينيه، اتنحى بشموخٍ كالطود العظيم، وأقف تحت ظل القمر أبكي على حال قلبٍ كان يتنفس الحب، وأصبح شهيقه ألم وزفيره عذاب، يريد الآن أن يستأصل هذا الجزء الضعيف منه لتعود كما كنت في سابق عهدك غريبًا، ولا يكن قلبي مأوىً لك، ولا عقلي درعك الواعي، ولهذا قررت أن أكتب رسالة لك يقرأها قلبي عليَّ غدًا، أفرغ فيها كل مكنوناتي تجاهك، ضعفي إليك وقوتي بك في مواجهة العالم وصمودي تجاه غرابة أطوارك، كنت أتجاهل الكثير، وأضع لك من الحجج والبراهين ما يفوق الاحتمال، ماذا بعد الصمت؟
يكمن جمال الصمت في إبلاغ معاني لا يمكن أن تصل بروعة إلا وأنت صامت، وحينما يُفهم حديثك يكون صمتك بالغٌ، لكن لدي تساؤلًا عن سبب صمتك، هل كان خوفًا على مشاعر محبة صادقة، أم أنك بارع في اختيار فنون اللامبالاة؟ الحق أنك بارع في كل شيء، التمادي في الخطأ، الخوف من المغفرة، إظهار مفارقة المشاعر وتبلد الأحاسيس، صادق في وصف نفسك بأجمل الأوصاف، حينما كنت تخلد مشاعرك على صفحة روحي البيضاء كتبتها بقلم رصاص؛ لتستطيع محو ما تشاء متى شئت، أما أنا فكنت أوثق مشاعري بمشاعري وأختم بقلبي وأبصم بضم يدي بين يديك وبعد كل هذا أضع إمضائي: حبيبتك الصادقة، أما أنت تبتسم وتغمض عينيك وتمضي بعد فك تشابك أصابعنا.
عزيزي، ورفيق دربي، وفارس مُخيلتي… شكرًا لأنك كنت بجانبي حينما قررت أن أرى العالم بعينيك، وشكرًا لأنك كنت ترى معي القمر وتجيب تساؤلاتي عنه، ثم شكرًا لصمتك فغيابك فأحلام مبعثرة مؤجلة .
ما الحب إلا جمال قلب احتوى جمال روح، فاختلط الأول بالثاني واندمج كلاهما لصنع شخص جديد، وكأنه له قلب ليس كقلب بشر؛ ملائكي يرضى ويبتسم ويتجافى ويحتمل ويتناسى…
الأنثى المحبة هي العُشبة الخضراء التي تنضر في الصحراء، تتكيف مع عالمها، تتحمل صلابة الصخور، وحرارة الشمس، وعطش القلوب، ولا تأبه لشيء؛ لأنها  أحبت بصدق كزهرة صبار بينما هي تقص أطرافها الشائكة حتى لا تؤذي من يعتني بها، كما أنا كنت اقتطف الزهور لأجلك وأرويها بدموع شوق ووجْد وحسرات متفرقة، اليوم أجمعتُ جنودي لترهبك، إن كنت لا أفعل… فسأعد لك غنائم المعركة وأتركها، فحين اخترت أنت أن يكون حبنا حربًا نعيشها داخل ميدان المعركة، وكان حبك كالنصل الذي يتغمد قلبي، وأنا الجندي المحمل بدمائه، قررت أن أزئر في وجهك، وأحمل عُدتي وأنتصر، ولأن الانتصار على من نحب هزيمة، قررت الهزيمة أمامك، دفاعًا عن قلب كان يمتحن العشق أمامك كل يوم ويرسب، رغم أنه جمع كل المادة العلمية المسماه ( أدب المحبين) لكنه دائمًا يرسب، يستذكر دوروسه بعيدًا عنك، وبسهم نظرة مبتسمة منك ينسى كل شيء فيرسب، وهكذا تفعل به الأيام، اليوم لا هروب ولا استسلام، مواجهة والجروح قِصاص، وسأضع قوانيني وأُملي شروطي في عقد اتفاق وسنمضي معًا باسم واحد وإما أن نكون روح لجسدين، أو نكون منفصلين، هكذا فعل بي حبك حينما كان يتأرجح بين نعم ولا وليس…
عزيزي ورفيق دربي؛ سلام.

قد يعجبك ايضا
تعليقات