القاهرية
العالم بين يديك

رانيا ضيف تكتب تَعَلم بلطف

199

 

لا شيء يدوم، ولا شيء يحدث عبثا، كل المواقف التي جردتنا من قوتنا وأعادتنا أطفالا نخاف الظلام ونتوه في الطرقات ما وجدت إلا لتعلمك درسا أغفلته، وربما تناسيته !
إن لم نتعلم بالمحبة واللين تعلمنا بالمحن والقسوة؛ تلك هي قوانين الحياة .
يبدو مشكلة الإنسان دوما أنه ينسى، يتوه في تلك المدينة الصاخبة مترامية الأطراف، وينساق وسط الزحام ويتنقل من مشهد لمشهد، ومن رحلة لرحلة حتى ينسى لِمَّ هو هنا ؟
وإلى أين كان ذاهبا ولماذا ؟!
في ذلك قال رب العزة :
“ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ”
أي ألهتنا الحياة بتكاثر أحداثها ومتطلباتها وبكثرة البشر ومشكلاتهم حتى يمضي العمر ونتفاجأ بإسدال ستائر النهاية !
من آفات الإنسان ليس فقط النسيان ولكن الاعتياد ..
نحن نعتاد الفرح أو الحزن أو روتين الحياة، ووجود بعض الناس في حياتنا حتى نتخيل أن التغيير نقمة، ذلك لأننا ركنا لمنطقة الراحة .
نمط واحد بمشاعر واحدة، بنفس الناس والعمل وأسلوب الحياة .
في غالب الأمر أولئك الناس لا يتقدمون في الحياة سريعا، بل يعرقلهم بشدة التغييرات البسيطة، ويكاد يدمرهم أو يقتلهم التغييرات القوية؛ كموت أحد المقربين أو انتهاء زواج أو صداقة أو اختفاء حب أو تغير الود..
ما بالك بمسلسلات الغدر والخسة ممن آمنا جانبهم واتكأنا عليهم مطمئنين !
ربما علينا أن ندرك أن كل تغير ما هو إلا وسيلة لارتقائنا الروحي .
هو ضرورة ملحة لتصحيح المسار واكتساب معارف جديدة ترتقي بنا على المستويين النفسي والروحي وربما المادي .
التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة، لذا يجب علينا تقبل أنماطه، بل وفهم الرسالة الروحية منه .
ركز في حياتك ستجد أن بعد كل فقد ظهر البديل، وبعد كل محنة جاءت المنحة، وأيسرها هو اكتشاف بواطن قوتك في اجتياز الأحداث السيئة، ثم تأقلمك مع الوضع الجديد .
ستجد أن من رحل عنك أخذ معه نسختك القديمة، وظل معك نسخة منك أكثر قوة وثباتا وإدراكًا .
لكل مرحلة في حياتنا أُناسها وأحداثها وأعمالها، علينا فقط أن نتقبل تنقلنا بين المراحل .

أعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة، وأن الإنسان كائن حساس يتقلب في المشاعر لذا يصعب عليه التغيير، ولكن كل ما نحتاجه أن ندرك حقيقة الأمر مسبقا، ونحاول ألا نتعلق بشىء أو أحد للحد الذي يجعل غيابه كالموت !
بل نتفهم طبيعة الحياة ونأخذ وقتنا لاستيعاب التغيير، والتعامل معه ثم نقبل بالوضع الجديد .
ونفهم أن كل شخص مر بحياتنا جاء برسالة معينة أو درس يعلمنا إياه عن الدنيا أو الناس أو حتى عن أنفسنا، وعلينا التقاط تلك الرسالة لنكمل الرحلة بوعي، أو نتركها ونمضي وسنكتشف الدرس يوما ما .
يقول العراب ” يوم نموت سيمحو النسيم الرقيق آثار أقدامنا على الرمال .
بعدما يفنى النسيم؛ تُرى من يخبر الأبدية أننا مشينا ها هنا مرة في فجر الزمان ؟!
أي علينا أن نعي أن مرورنا على الدنيا مرورا خفيفا حتى ربما لن ينتبه الوجود له، الحياة قصيرة مهما طالت، فلنتعلم بلطف خير من التعلم بقسوة وبأحداث موجعة .

قد يعجبك ايضا
تعليقات