القاهرية
العالم بين يديك

خناقة على جناح بعوضة

178

كتبت- سالي جابر

إذا قال لك أحدهم أن تلك المشاجرة وحمل السلاح والسب والقذف على جناح بعوضة، ستتهكم عليه وتسخر من حواره ربما تتركه وترحل وتقول أنه مجنون لكن الحقيقة تقول أن هناك من يقتل زوجته أو حبيبته دفاعًا عن شيءٍ ما في نفسه، أخيه على الميراث، أمه لأنه يتعاطى بعض المواد الممنوعة، من تحرق طفلها من أجل عشيق، زوجان يتحاربان في المحاكم من أجل العناد ويتناسايا أطفالهما، من تسخر من أختها لأنها أجمل منها ويتقدم لها العرسان( طوابير ع الباب) وأخرى تتنمر على زميلتها الطويلة أو السمينة، نتباهى بشيء لا نملكه، وهكذا دواليك… وتلك هي جناح البعوضة” الدنيا” في حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله ﷺ: “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الدنيا لا شيء عند الله، إنها ليست سوى جناح بعوضة، لن تحصل على شيء إلا برحمة الله، عليك أن تأخذ بأسباب النجاح لتنجح، فما الهدف والغاية من تلك الحياة؟!
وهذا سؤال طرحه العديد من الفلاسفة، خلقنا الله – تعالى- لنعبده؛ قال تعالى في كتابه العزيز:” ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” وهذا هو الهدف من الحياة” العبادة” والعمل جزء من العبادة، الدعاء عبادة، العبادة ليست صلاة وصوم وذكر فقط، لكن لك دور وكي تستمر تلك الحياة فلها دورة منظمة وفق خطة محكمة، وعليك أن تأخذ بالأسباب، أصبحت الحياة تتلخص في مناورات وصراعات دائمة بين أطراف كثيرة، والمجتمع عبارة عن طوائف، الطائفة الأعلى تتهكم من الطائفة الأقل، كي تصل عليك بشيئين إما أن تتنازل عن مبادئك وأخلاقك أو تحارب؛ ولكنك لا تعلم هل تلك الحرب والمنافسة شريفة أم لا، دائمًا الخير ينتصر- أو هكذا نظن- لكن هل لك أن تعيرني انتباهك بعض الوقت؟!
الانتصار في تلك الحروب فن، والفن هنا هو أن تحارب وتنتصر دون أن تمس جدار أخلاقك، دون أن تنهش في لحم أخيك الحي، القاعدة الصحيحة المتعارف عليها تقول: ” ذاكر تنجح” و ” من طلب العلا سهر الليالي” هذا عبارة عن الأخذ بالأسباب، إما أن تدفع لتصل، أو تنافق لتصل ذلك هو خارج عن القاعدة المألوفة.
نقطة ومن أول السطر لنحفظ سويًا القواعد الجديدة للعيش على ذاك الجناح بأمان.
أولًا: فن لابد تعلمه هو أن تتخلى عن المشاعر الإنسانية. ثانيا:فن التطبيل.
ثالثًا: أن تكون عصفورة جميلة هادئة تتحرك بين المكاتب في صمت.
رابعًا وأخيرًا: شهادة علمية( لا يهم مصدرها)
بينما أنت تذاكر وتجتهد وتبحث وتقرأ، تعمل وتنهك عينيك في البحث والاطلاع والتدوين، هناك في أول الطريق، ومن يقف على المنصة ينتظر حصوله على كرسي الإدارة من يجيد تلك الفنون الأربعة.
وتجد نفسك واقفًا مذهولًا بين مؤيد ومعارض، وفي الآونة الأخيرة حدث الكثير مما تقشعر له الأبدان، وأنت لا تعلم أين الحقيقة، بينما أنت من يشعل تلك الأمور ويصل بها إلى درجة الغليان، تثور، تغضب، وتناشد الجميع بالنظر لذلك الأمر إلى أن تتفاجأ بأنه انتهى على هذا، وما بين هذا،وذاك، وهذه، وتلك أنت لا شيء سوى أنك الكرة التي يتم اللعب بها للوصول للهدف المنشود.
لم تُخلق الدنيا عبثًا، ولكن كيف تحافظ على وجودك وتنتصر في حروبك دون أن تشوبك شائبة؟!
تساءل الفيلسوف ( مارتن هايدغر) لمَ هناك بعض الشيء وليس لا شيء؟ وهذا التساؤل آثار في نفسي تساؤلًا آخر وهو: هل يمكن أن تتواجد في ذاك الجناح الخير فقط؟! بالطبع لا، لابد من خير وشر، قال تعالى:” وهديناه النجدين” و “وهديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا” عليك أن تختار طريقك وتضع لنفسك خطة محكومة الجهات، منظمة تحمل الضدين؛ وتحاول أن تجد إجابة لنفسك على سؤال كيف أنتصر على الشر المتمحور في عالمنا؟!
الخير كي ينتصر يحتاج إلى قوة، قد تتواجد لدينا مكنونات الخير، والصواب، والقوام السليم، والقوامة؛ لكن الضعف يزيل ذلك الأثر القريب البعيد، قد تمسك بحقيقة الأمور ولكنها تفلت منك رويدًا رويدًا، ولهذا عليك التسلح بالقوة للمواجهة كي تعيش على جناح البعوضة بسلام.
البعوضة تجري بنا وقد توقعنا من الأعلى، وربما نستمر في القفز ورائها، وحتمًا ينتصر من بيده زمامها.
رفعت الأقلام وجفت الصحف لحين وجود إجابة للتساؤل الأهم: لماذا أصبحنا نقص جناح البعوضة؟!

قد يعجبك ايضا
تعليقات