القاهرية
العالم بين يديك

اثر شخصیة ابن خلدون في إبداع علم العمران البشري

154

مقال د.إسلام أبوزيد …عضو إتحاد المؤرخين العرب

في محاولة للتعرف على السمات الذاتیة والشخصیة التي أسهمت في تبلور الفكر العمراني الإبداعي عند ابن خلدون , وعلى الرغم من المحدودیة النسبیة لتلك السمات، فإن الكاتب یستخدمها هنا لمعرفة مدى ما أسهمت به بعض السمات الذاتیة والشخصیة لابن خلدون في كسبه رهان الإبداع والابتكار المتمثل في علمه الجدید ( علم العمران البشري)
وعندما نستعرض قائمة تلك السمات كما حددتها البحوث العلمیة الحدیثة ، نجد أنها تنطبق في معظمها على شخصیة ابن خلدون. ولنبدأ تحلیلنا لعینة من تلك السمات الذاتیة والشخصیة بفحص ومناقشة سمة الإنكباب على التألیف عند صاحب المقدمة. إن البحوث في ظاهرة أن المبدعین یبذلون جهودا مضنیة ومتواصلة في قیامهم بأعمالهم الإبداعیة. فمدة ً الإبداع أكدت تألیف ابن خلدون لكتاب العبر الضخم لم تستغرق أكثر من أربع سنوات, على أن المدة التي یحتاج إلیها المؤلفون لإنجاز مثل هذا العمل وهي بالتأكید مدة قصیرة قیاسا الفكري الذي یبلغ أكثر من 8000 صفحة في مجلداته السبعة في الطبعة العربیة.
ومما یدعو إلى مزید من التعجب أن ابن خلدون نفسه یخبرنا في نهایة المقدمة أن تألیفه لها لم یأخذ منه سوى خمسة أشهر بقوله : “أتممت هذا الجزء الأول بالوضع والتألیف قبل التنقیح والتهذیب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصف عام تسعة وسبعین وسبعمائة، ثم نقحته بعد ذلك وهذبته”.
فتألیف المقدمة في هذه المدة القصیرة في التاریخ لا تكاد تصدق لأنه لا یقتصر على مجرد سرد مسألة ، فهي لیست كتابا تقلیدیا لجمع معظم ً الأحداث حتى یمكن كتابته في أقل من نصف عام، بل كتاب یحمل فكرا جدیدا المفكرین من الشرق والغرب على ریادته وابتكاریته. ومن ثم فحتى ینجز ابن خلدون أعظم أعماله ً ً التاریخیة (المقدمة) في هذه المدة الوجیزة، كان لا بد من أن یلتزم بذل جهد مكثف تفكیرا وتألیفا طوال مدة إقامته بقلعة إبن سلامة حیث وجد الخلوة والانعزال، وهو ما یحتاج إلیه المبدعون كما تؤكد البحوث الحدیثة حول ظاهرة الإبداع والمبدعین.
وخلاصة القول إن الزاد المعرفي الموسوعي لابن خلدون طالما ذكر بوصفه عاملا حاسما في تألیفه الإبداعي في علم التاریخ المتمثل أساسا في المقدمة التي ضمنها علم العمران البشري الجدید فمطالعة الباب السادس من المقدمة كافیة لإقناع المرء بأن ابن خلدون كان ذا إلمام عمیق بمعظم مجالات المعرفة التي كانت سائدة في المغرب والمشرق في عهده. وبتعبیر العلوم الاجتماعیة الحدیثة، كان التكوین الموسوعي لابن خلدون یمكنه من التحرك بیسر بین فروع المعرفة المختلفة فیتجاوز الحدود التي تفصل بعضها عن بعض.

قد يعجبك ايضا
تعليقات