القاهرية
العالم بين يديك

وصية ريان لأمه

154

بقلم/ سالي جابر

هنا كنت ألعب ثم أجري على أمي تصرخ في وجهي لأن ملابسي البيضاء أصبحت بلون التراب، وأعتقد أنها تتعب كثيرًا وهي تنظفها، أخاف أن أغضبها أكثر؛ فأهرول إلى سريري وأحتضن وسادتي، وتلك الدُمية التي لا أعرف أسمها، أنا فقط أحببتها لإنها من صنع أمي، سمعتها ذات مرة تتحدث مع أبي عني وتقول أنني عنيدٌ جدًا لكنها تحب فيَّ برائتي وحضني الدافيء، وقُبلتي الصباحية التي أطبعها على وجنتيها، وأن تلك القُبلة على الخد بينما طعهما عالقٌ في القلب، كم أحبك يا أمي، اشتقت إلى بسمتك، حضنك، خوفك، حتى صراخك يا أمي، لا تخافين يا أمي أنا هنا بأمان، سيتولى أبا الأنبياء حفظي لكتاب الله، سأدعو لكِ ولأبي، اشتقت إلى طعامك، الملح القليل حتى لا نمرض، الخبز الأسمر لنبتعد عن السم الأبيض، اللبن الدافيء لأحافظ على عظامي من التهشم، حفظت كلامك يا أمي” لا تبتعد حتى لا أقلق عليك، لا تقترب من التليفزيون كي لا تمرض عينيك، أفتقدك يا أمي، منذ خمسة أيامٍ وأنا هنا تحت الأرض، رأيت وجهك وأنا أسقط وتمسكت بيديكِ لكن البئر عميق فلتت يداي يا أمي، سمعتك تصرخين وكان هذا خيالي الذي لا تفارقينه، كما لا تفارقين واقعي، لا تبكين فأنتِ في قلبي، سنتقابل في الجنة، ستسمعينني أرتل القرآن ترتيلًا، وتنبهرين بجمال صوتي، تبتسمين لي كما كنتِ تفعلين حينما جلسنا سويًا لنحفظ سورة الإخلاص، ألا تتذكرين كم كنت أخطأ وأنت تبتسمين لي وتفردين ذراعيك حبًا واحتواءً وحنانًا، يقولون أنني هنا وأرسلوا إليَّ طعام، لم اقترب فقد كنت جثة هامدة ملاقاه على الأرض، وبداخلي ندبات الخوف وبعدك عني، إنني خِفت كثيرًا من تلك المقبرة، لقد وأدت يا أمي بفعل من ترك البئر هكذا، لا تلوموني طفلًا بعمري؛ يحب اللعب والجري والقفز والصراخ، هذا قدري ونصيبكم، انتهي العمر هنا فلا تحزنين، أعلم أن الفراق مميت، لكنك بداخلي ولا تفارقن قلبي، تسكنين الفؤاد فهو عامرٌ بدفء حنانك، منذ متى وأنا هنا؟!
رأيتك وأنتِ تكتمين صراخك بالأمل، فقدتي شهيتك للطعام بينما فتحتيها على مصراعيها للحزن، انظري إلى مرآتك؛ أين جمالك، منذ متى ظهرت تلك الخطوط البيضاء على شعرك، والسحابة السوداء تحت عينيكِ، أنا هنا أحبك تمسكي برباط الحب، الحبل الذي بيننا كنت أتغذي منه حنانك، اليوم هو الأمل، كنت على شفا حفرة من الوجع، ودموعكِ جرف هار، رأيتك أمس في منامي تقفين عند البحر بمنامتك البيضاء، تمشطين شعري وتهدهدين قلبي بدفء حنانك، أنتِ الطود الشامخ؛ لا تبكين .
أحضري الطعام واجعلي طبقي من نصيب الفقراء تصدقي بحبك على من يفتقد حنان أمه، كوني أم لكل طفل في سني ضاع عمره بسبب تأخر في كل شيء.
سأكتب لكِ كل يوم، واستغفر لقلبك الحاني، وأبعث مع ضوء الشمس قُبلاتي إليك، حينما تشعرين بالدفء فهي قُبلتي، وأعطرها بزجاجة عطرك، امنحيني دعائك، سأرحل كوني بقلبي، سلامٌ عليكي، سلام.

قد يعجبك ايضا
تعليقات