القاهرية
العالم بين يديك

هلا تنتظرني

234

بقلم- رانيا ضيف

عزيزي ..

كان قلبي جبانا وملأته أنت بالشجاعة، ظل الخوف رفيق عمري، الصديق الذي لا يخون ولا ينسى ولا يبتعد رغم تمنياتي الدائمة بأن يخون وينسى ويبتعد !
كنت طفلة قلقة حساسة، تلاحظ أدق الأشياء وتفاصيلها وتتأثر بشدة، لكن لا تبوح أبدا بل؛ ترسم ابتسامة لتداري القلق أو لا تعطي أي انطباع سوي الانسحاب داخلها.
كنت أخاف الموت كثيرا ويُفزعني الصراخ،
لم أكن أعلم السبب إلا عندما فتشت في غرف عقلي المهجورة، فشاهدتني وأنا ابنة ثمان سنوات على سفر للإسكندرية ليلًا، فوالدي كان يعشق السفر ليلا وكان الطريق طويلًا، غفونا أنا وأخوتي بالمقعد الخلفي من السيارة لأستيقظ على صراخ وعويل !
نظرت من الشباك لأرى حادثًا وسيارات إسعاف وشرطة وجمهور من الناس .
حاول والدي أن يجتاز الأمر سريعا كي لا أخاف أو أنزعج .
ولكن ما خاف منه قد تم وانتهى الأمر .
لا أنسى ذلك الحادث، ولا صراخ تلك المرأة التي تنادي على أحدهم بصوت ينوح واستقر في قلبي للآن .
كانت سيناريوهات الخوف كثيرة ومختلفة، وما زاد عمقها كوني كتومة ولا أتحدث كثيرا،
كنت ألوذ بكتبي كي تخرس ضجيج الأفكار المتصارعة داخلي، ولم أجرب أبدا أن أحكي أو أُناقش غير الشخص الآخر الذي يقبع داخلي..
لم أعرف الطمأنينة قط إلا حينما أحببتك !
انتزعت من قلبي الخوف شيئا فشيئا كما انتزع عشقك الكلمات وعلمني البوح، كنت تفكك تلك العقد وتزيل رواسبها ثم تغرس الثقة،
كل المواقف الحزينة التي انطبعت بذاكرتي
حررتني منها، رآني العالم أنثى جميلة وهادئة وواثقة ورزينة وربما تجنح للعزلة أحيانا ورأيت أنت الطفلة الخائفة المكبلة بخوفها داخلي، حررتها فصرت ألعب وأرتع وأعيش طفولتي معك . أصبحت منطلقة وعفوية واثقة الخطى،
لكنني كنت ولازلت طفلتك المدللة التي تتشبث بالأشياء فتقتنيها، والتي تثور وتغضب لأتفه الأسباب فتحتوي غضبها حتى تصير أمامها كجبل راسخ وهي صغيرة .
أَتذْكُر تلك الفتاة التي حلمت دوما بأن تقود سيارتها وتجري بها في طريق شبه خال من السيارات والناس، على أحد جانبيه النيل والجانب الآخر أشجار وورود، وجدت الطريق ولم أجد الشجاعة لأحقق حلمي .
أنت أول من جعلني أخوض التجربة، وتولت أمي باقي المهمة حتى حققت حلمي بأن أنتصر على خوفي أولا، فكان شعور الانتصار على الخوف أجمل من تحقيق الحلم ذاته !
علمتني أن أخوض التجارب وأن أقول لا دون خوف أو حساب، فأنت خلفي تلملم خسائر معاركي، وتبني بها صرحًا من الدعم والثقة فيمر الأمر سريعا .
أكتب إليك الآن لأنني بحاجة لأن أتكىء على كتفك، أضع رأسي الثقيل بالأفكار على صدرك، أريد أن أبكي وأن تحتوي قلقي، أستريح بين عينيك وأغفو، طفلتك المدللة التي شردت بعيدا عنك داخل امرأة قوية مسئولة، تسابق الزمن ويقودها عقلها، تريد العودة لتستمد منك القوة فتشعر بالأمان، هلا تنتظرني في ذاك الزمان ؟!

قد يعجبك ايضا
تعليقات