بقلم/ سالي جابر
حياة جميلة أو توقعتها هكذا، حلمٌ بالحياة، الجمال، الرضا، من على قمة شجرة ذات وريقات خضراء يانعة، وقفت أتأمل جمال البحر، رونقه، الشمس البرتقالية التي نسجتها أشعتها على حصيرته فصارت كاللؤلؤ المنثور، فضية، باتت تتعالى أمواجه؛ ربما اشتياقًا أو احتجاجًا…لا أدري، بينما أخذني جمال المشهد، أغمضت عيني قليلًا و ألقيت أذني مع البلابل السجية وبتُ أشدو معها بجمال المنظر والجوهر، مكنونة هي، ممنونة إليَّ، حمراء لونها بل صارت برتقالية، تغوص في مياه البحر بلمحة جمال تدريجة، وما إن اختفت وقف الغناء وطارت البلابل، وطاح بيَّ النوى، وطاح بقلبي الغروب، فجلست أتأمل لون السماء وشكل المياه، ألوان داكنة بدأت تملأ المكان وكأن الدخان بدأ يتوغل في أعماقي، دمعت عيناي وهبطت أنفاسي ووجدت طريق فناء، خالي إلا من سلالم الأمل- هكذا كنت أظنها- كنت أطير بجناحين بألوان زاهية تسر الناظرين، وتفي بالحسن، وتشفي عليل القلوب، كنت أحلم بالحياة، أتغنى بالأمل، فإنني أعلم أن كل غروب يتبعه شروق، وكل زفير يتبعه شهيق إلا… لا أنا مازلت هنا في عالم الواقع، لكن ما هذا الذي يحجم جناحي يمنعني أن أطير، لا أستطيع الارتفاع، لا يمكنني الاحتمال، وقفت وأنا أتأمل ذاك الطريق المخيف، فحينما انقطع الأمل انقطعت الكهرباء، حينما خاب الرجاء خابت معه الذكرى في الاختفاء، ومر أمامي شريط العمر بوعكة ألم، وخيبة رجاء، وفقدان حب، وغياب صديق، وأماني عابرة سقطت في بئر المستحيل، حاولت كثيرًا الفرار، سئمت الفزع، عجبت الصراخ المكتوم بداخلي، أريد أن أعبر تلك البوابة المرعبة، الندبة السمراء، هل مازال جناحيَّ متلونان؟! أم فقدت بريقهما حينما توقفا عن الطيران، أياليت شعري ماذا فعل بيَّ الخوف، وما ضمان الحب، كلاهما جنة السماء على الأرض، ولعنة الأرض في السماء.
أيا شمس النهار أشرقي، أملئي الكون نورًا ودفئًا، أيا عمر السنين المختفي كفى وكفاك هزلًا، إني لتطربني الجنان بلوعة المشتاق، وتهزني كلمة وداع واحدة، عجبت لأمر حروفها، كل حرف يعيش وحيدًا ويموت كمدًا ويصيبه الرجاء.
ما هذا العبء الثقيل الذي يلتفت حول رقبتي؟! إنها الأحلام المؤجلة، الكلمات المحطِمة، النهار المزين بالنجوم، الشمس المزخرفة بنقوش الأمل، أنا مازلت أهوى كل الهواء المنبعث من دخان سجائره؛ ينفثه في وجهي فأغمض عيني وأسير خلفه، لا أعلم إلى أين، لكن دائمًا الخيط الرفيع سراب، وأنا عشقته، مازلت لا أعلم لماذا الحقيقة موجعة، والحب حرب، والأماني مستحيلات، لا زلت أعلم سر عنائي كان في لون أجنحتي أم في الأحلام المغلفة بالخيبات، لكني سأصعد رغم كل شيء، سأنجو وأتخطى ذاك السور الذي أخافه…سأنجو وأتخطى وأحب الحياة.