القاهرية
العالم بين يديك

تشوه الطفل نفسيًا

117

كتبت _ سالي جابر

تتساءل العديد من الأمهات: ابني عديم الشخصية، ينفذ كل ما يطلب منه من أي طفل في سنه، أو أطفال العائلة، أغضب كثيرًا عندما آراه هكذا، ماذا أفعل معه؟!
بعد أخذ كل المعلومات المطلوبة عن الطفل، سنه، وعدد أخواته…. والعديد من الأسئلة العادية، يبقى السؤال الأهم كيف تتعاملين معه؟! عندما يصرخ، عندما يقول لا، يرفض،يعاند، يلقي بنفسه علي الأرض؟!
هل تحتضنيه؟!
هل تحبينه؟!
ونقف عند هذا السؤال، الذي تواجهه الأم بصرخة مكتومة في جوفها، بعيون ثاقبة تعني الاستنكار، وتقول بكل ثقة: أحبه بكل جوارحي، هو قلبي، من تألمت من أجله، ومازلت أُعاني لأجله.
-سؤال آخر: ما شكل هذه المعاناة من فضلك؟!
=أستيقظ مبكرًا لأحضر له الفطور، ليرتدي ملابسه ويذهب إلي مدرسته، أذاكر له دروسه.
– وباقي الوقت ماذا تفعلين معه؟!
= نذاكر ونحفظ ونعيد ونكتب الواجب إلى وقت النوم.
– هل تلعبين معه، ترسمين، تغنين، تلونين معه…..؟!
= لا وقت لهذا، الأهم المذاكرة، النجاح.
ونقف عند هذا الحد من الحوار، الأم هنا لا تفرق بين الرعاية والتربية، بين الواجب والذي لابد أن يكون، بين أحلامها وطفولته .
الرعاية هي الطعام، الشراب، الخروج، المذاكرة، الواجب والمفروض علي الوالدين، أما التربية هي فن تعليم الطفل ثقته بنفسه، حبه لذاته( حب غير مشروط) تقديره لنفسه والآخرين.
أما عن الحب المشروط فهو كارثة حقيقية تحول الطفل إلي كائن حي يدفن طفولته وأحلامه وإبداعه في مكان ما بعيدًا عن نفسه الحقيقية، فكيف يمكن للطفل الإبداع والتقدم وأنت تقول له: إن لم تذاكر فأنا أتضايق منك، أنا أحبك إذا شربت اللبن، إن الله يحبك عندما لا تقول لا، فأنت تُقرن كلمة الحب بأداة ( إذا) وهنا فأنت تضع شرط لهذا الحب، وعليه فإن الطفل يدفن طفولته داخل (إذا) كي يفعل ما تريده أنت وليس ما يحبه هو.
يقول علماء النفس أن الطفل عندما يصل إلي سن الخامسة يقوم بعملية تجميل لذاته كي تتناسب مع مطالب من حوله حتي ينعم بهذا القدر من الحب .
فيشوه هذه النفس البريئة حتي لا تقول( لا)، نفس تذاكر وتنجح من أجل الأسرة، نفس مسالمة لبنت لا ترفع صوتها تنظر إلى الأرض، لولد لا يعاند، لا يرفض، وكل هذا إرضاء للغير. فيكبر لا يتعلم المواجهة؛ بل لديه حالة من الاستسلام لمن حوله للوصول إلى الحب المنشود، أو حالة من الصمت، أو التجنب، تحطم أحلامه علي صخرة الرفض الاجتماعي، ويتحول لآلة تحقيق الرغبات ليس إلا.
– العقاب النفسي أو البدني الذي لا يتناسب مع الموقف، الذي يشوه العقاب والثواب، ويدفع الطفل إلي التقوقع داخل ذاته المزيفة هروبًا منه مرة ثانية، ودفاعًا عن جسده الذي تخطوه علامات الإهانة .
– ‏التدليل الزائد بحجة الخوف عليه يجعله لا يستطيع المواجهه عندما يصطدم بالواقع فإنه هنا يرفض التعامل مع هذا الواقع بالهروب إما بالمرض النفسي، أو بالضعف وفقدان الشخصية، كثيرًا من الأطفال تستعمل ميكانيزم تخويف الوالدين ليقوموا بتنفيذ طلبه، فقد يضرب رأسه في الحائط- ضربة خفيفة لا تؤذيه- كي ينفذون طلبه ، وعندما يُنفذ الطلب فعليًا، تُكرر هذه التجربة لنجاحها، وكأن الأم والأب هنا يعززان ذلك السلوك الخطأ بالإثابة والثناء عليه.
– ‏البحث عن دائرة الأمان لدى الشخص فيرجع إلى الخلف عندما يمر بمشكلة بحثًا عن الأمان الذي ربما لا يجده إلا في مرحلة الطفولة فيتصرف كطفل، أو يجده في مرحلة الجنين، فيأخذ وضع الجنين – يحدث هذا عن الاستعداد الوراثي للمرض-
– ‏الطفل في عامه الثاني يبدأ يكتشف جسده ويلمسه ويستمتع به، فيأخذ لطمة شديدة علي وجهه بحجة العيب، والعادات الاجتماعية والعُرف، والأهل والأصدقاء دون أدنى معرفة من الوالدين كيف يتصرفا، وتظل النتيجة طفل/ طفلة يكبر وهو يحاول أن يفهم جسده؛ لكن بطريقته الخاصة التي ربما تؤذيه.
وهذه الآلام تجعل جسده يدافع عنه دائمًا ويعبر عن معاناته بالأمراض التي تسمى( نفسجسمية) أي التي سببها نفسي وأعراضها جسدية، مثل الصداع النصفي، آلام القولون والمعدة، فقدان الشهية للأكل، الأرق…وغيرها
الرسائل العكسية التي تصل إلى أطفالنا، كلام يعكسه فعل، بمعني ألعب كما تشاء هذا يومك؛ لكن نظرتك له تعني اجلس هنا بهدوء، أو عليك أن تساعدني في حمل الأطباق بعد الأكل وغسلها؛ وبطريقة أخرى، لا تلمس الأطباق حتى لا تنكسر.
‏إذا استمرت هذه الرسائل لأطفالنا لفترة معينة قد تصل بهم إلى الفصام- إلى حد الجنون-
– ‏الرسائل الخفية التي قد تصل إلى أطفالنا لينفذوها ثم نعاقبهم عليها، الأم التي تتحدث مع صديقاتها وتقول أمام الطفل إنه عنيد جدًا وهذا طبيعي لإنه ولد، فيُظهر الطفل هذا العناد في جميع أشكاله، وهذا مثال للتوضيح لا الحصر، فإنك قد تجد نفسك لا تكف عن هذه الرسائل لطفلك.

قد يعجبك ايضا
تعليقات