بقلم/ سالي جابر
وددت لو أستطيع أن أخفي كل الحواد من هنا، كل شيء في إمكانه أن يصنع خدشًا فيَّ، وجعًا في روحي، آلامًا في وجداني، كنت ذاك الظل الجميل يختبئون تحت أوراقي المتشابكة من حرارة الشمس، وزخات المطر، يعبثون بأوراقي، منهم من يمسحونها بأيديهم ليزيلوا عنها غبار الأيام، وتراب الماضي، وسهو الحاضر؛ أكون وهجًا من شدة جمالي، ومنهم من أنا له التخمين؛ يمسك بعض أوراقي ليحدد ما إن كان ذاك الشخص يحبه أو لا، بالأمس وقفت هنا فتاةٌ جميلة يتوه الوله من جمال مقلتيها، ويغوص الحب في جنبات كفيها، أمسكت ورقي بتلك الجميلتين لتقطفني؛ بينما أنا قلبي يتفطر حزنًا على جمالي فكانت تقول:” بيحبني، مببحبنيش، بيحبني، مبيحبنيش،… “وهكذا إلى أن تعرى الغصن وصار يبكي أنينًا و وجعًا، أياليت شعري أن تفهمين جميلتي أن قصة الحب تلك لا يهمها خلود أسمكما على غصني، ولا يشغلها تعري أفرعي من الورق، سألتني ذات مرة فراشة جميلة الألوان، ترتدي ثياب منقوطة، وتاج على رأسها من الورود الوردية الرائعة:” ألا يغضبكِ هذا؟!” فاضت أدمعي وقلت: وهل يمكنني الاعتراض على غباء البشر؟!
نظرت لقلبي وغصته الحزينة بشيءٍ من الألم والحيرة وقالت: من فعل هذا بغصنك الفارغ، اضربيه ببعضه، اقذفي في قلبه الرعب بصوتك الفارغ الممتلئ هواء باردٌ، لا تسمحين لأحد أن يقطع دابر أمرك ليصنع الناي الحزين، لا تسمحين بزرع البصل بجانب بذورك الفاتنة، فأنشد قلبي معها شوقًا وقال:” إن كان للحب مقالٍ وأفعال، والصمت سهل حين نخشى الكلام، والألم يذيب فينا حرارة الكسل ويلهب أسارير النجاح، أتريدينني أعترض، قالت: بلى؛ فإن كان القمر سراجًا منيرا، والشمس قرص برتقالي اللون لحرارة الدفء والأمان، فأنتِ ببراعة الحسن قد خلقك الرحمن لنستظل بظلك، لتحمينا من ماء المطر، لنعشق فيكِ ومنكِ الجمال، أيا صاحبة الحب حبًا، إني أحبك في الغرام غرام، أيا عاشقة الوجد صمتًا، عشقت الصمت من جوف الكلام، أيا خالية البال رفقًا فإني بحالي دون الحالِ حال، لم يبقَ من العمر إلا أن نلحظ ملذات الحياة، وإن كانت سعادتنا من جوف الألم تنبت، فلمَ لم تخلق سعادتك يا طيب الجمال؟!
تاهت الكلمات مني وأيقظني لهيب من اختبأ تحت أوراقي من مطر الشتاء، سعدت لكونه يخرج من حقيبته منديلًا معطرًا ومسح به بعض وريقاتي، لكنه أخذها في حقيبته وتركني عارية، أتعرى كل يوم من الحسن بسبب أولئك المقهورين بجمال الطبيعة، ولا يفهمون أن قطع أوراقي لا يعني إلا موتي القريب، وبالرغم من هذا لا يمكنني إلا أن أميل بغصني قليلًا لأهدي لهم بعض من رائحة الجمال.
فراشتي الصغيرة انظري معي لتلك الشجرة، يأخذون أوراقها علاج، ويقطعون أخشابها، ويتصورون بجانب أوراقها المتشاعبة المتشابكة، تتبدل في الشتاء، صفصاف باكي، كلما نظرت إليها بكيت وقلت:” الحمد لله” لي فوائد جمة لكني باقية.
لو كنت أفهم لغة النباتات لتحدثت إليها ومسحت تلك الدموع عن وريقاتها الصغيرة، ووقفت هنا أمنع أي شخص يمحو جمالها بخدوش، أو بقطعها.
لو كنت شجرة لكنت… أضع ذاك الغصن الذي تعرى بفعل أحدهم في أعين من يتربصون بي، لكنت خزنت ماء من يقف خلفي ليفعل ما يشاء ثم سكبتها على وجهه، لاحتصنت الشمس، وضحكت للقمر، لانتظرت ندى الصباح، وابتسمت للمحبين، وكنت ظل الباكي، ابتسامة الحزين،ضمادة الجريح.
لو كنت تلك الشجرة الغاضبة لنفخت فيها حب الحياة، وعلمت أن قطع أوراقي بغرض العلاج، هو أسمى غاياتي.
يا شجرتي العزيزة سمعتك تتحدثين عن شجرة الصفصاف( أم الشعور) جميلة الجميلات في أوراقها دواء، وفي طيبها سماء، أحبي الحياة ولا تبكين، قالت لي وهي تمد ذراعيها لتحتضنني ليتك هنا كل يوم لأقص عليك ماذا يفعلون بي، وسألتني ماذا تتمنى الآن؟! قلت: أن أصير شجرة، فوجئت برياح شديدة ودوامة من الرمال تحيط بي، وكلمات غير مفهومة، ووجدت نفسي شجرة جميلة، ابتسمت وأعددت عُدتي للتعامل مع من حولي، في أول يوم كنت أدافع عن نفسي وأضرب بقدمي على الأرض أحرك التراب فيهروب مني، وثاني يوم عندما حاول أحد أن يقطف زهري، جرحت يديه بأشواكي، وثالث يوم ضربت أحدهم على رأسه بغصني الفارغ، فوجدتهم يهربون مني، وبدأت أذبل وتموت أوراقي، والشجرة بجانبي تبكي على حالي، وقالت لي:” لقد تمنيت أن تكون شجرة ليوم واحد، أفهمت شيئًا، قلت لها: لا، لكنني لا أود تلك الحياة، أريد العودة” وبنفس قوة الرياح عدت إلى روحي وسجدت شكرًا على حالي.