القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الموت ليس له ألم

125

كتب_فرج العادلي

انتشر على ألسنة كثيرٍ من الدعاة أمورٌ خاطئة عن الموت، فدائما يشبهون لحظات الموت بالفظائع، والعظائم، والمهالك، والآلام الرهيبة..

والحقيقة أن هذا كله لا دليل عليه، لكن الذي يستطيع الباحث المُهتم والمهموم أن يستنبطه من الأدلة الصحيحة الصريحة أن الموت ليس له ألم على الأطلاق

ونجمل الأدلة على ذلك في نقاط. ونتَّئِدُ قليلًا في أول عنصر.

١_الموت نوعان، والنوم نوعان، نوع صغير، ونوع كبير

فالنوم الصغير هو النوم المعروف. والنوم الكبير هو الموت.

والموتة الصغرى هي النومة التي يعقبها يقظة، والموتة الكبرى هو الموت الذي لا يقظة منه.

فهما أخوان فلمَ نجعل لأحدهما ألمًا والآخر لا.!

بل كثيرًا ما يتصل الموت الصغير بالموت الكبير، فنجد الشخص ينام ثم يأتي أحدٌ ليوقظَه في الصباح فيجده قد فارق الحياة نهائيًا، وبهذا يتصل نومه الصغير، بنومه الكبير.

ويدل عليه قول الله عز وجل﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ…﴾ الزمر(42)

فالناس ينامون _والنوم قطعًا ليس له ألم_ فتصعد أرواحهم جميعًا، فيُمسكُ ربنا _ سبحانه وتعالى _ الروحَ التي قضى عليها الموت… أي يمنعها من الرجوع للجسد مرة أخرى، وبهذا يدخل النائم عالم الموتى بكل بساطة وهدوء … فأين الألم في هذا النوع من الموت؟

ثم يرسل الروح الآخرى إلى الجسد ليعيش فترة أخرى، وهذا يحدث يوميًا ونراه بأعيننا.

٢_ أخبر النبيُ صلى الله عليه وسلم عن خروج روح المؤمن { فَقال:.. فتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ…}

والسؤال هل هناك صعوبة في خروج الماء من فم السقاء؟ الجواب لا بل.

ربما يسيل الماء من إنائك ولا تشعر به من الأساس، وكذلك خروج الروح سيَّما المؤمن.

٣_ موتُ الفجأة.

يكون الرجل مستغرقًا في حديثه معك، ثم فجأة يسكت، فتكلمه فلا يجيبك، فتحركه فيسقط، فتقلبه فتجده ميتًا، بلا مقدمات. وهذا مُشاهدٌ في عالمنا بكثرة.

كذلك رأينا لاعب كرة القدم وهو في كامل قوته، ونشاطه سقط في الملعب فجأة ثم يحركوه يميناً ويسارًا فوجدوه ميتًا.

فأين الألم هنا؟ وأين المعناة هناك؟!

ويدل عليه ما روته عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ؟ فَقَالَ: «رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ».

 

فهذا النوع أيضًا يكون راحة للمؤمن وهو يتم في لحظات قليلة بل خاطفة.

٤_ موتُ الشهيد

الشهيد لا يشعر بألمٍ عند موته إلا كألم القرصة التي ربما تمرِّرُ عليها يدك ولا تنظر مالذي قرصك لهوانها( لأنها قرصة خفيفة)

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ_رضي الله عنه_ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ )

«حديث صحيح»

قال ابن القيم _رحمه الله تعالى_: معلقًا عليه.

” لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة.(تخيل)

وكثيرًا ما حكى لنا بعضُ أبطال حرب اكتوبر المجيدة أن زملاءهم كانوا يصابون بطلقٍ ولا يشعرون به، ثم يشعرون بتعب أو عياءٍ ثم يجلسون  فيكتشفون الدماء النازفة وهي سبب تعبهم ثم تسيل أرواحهم فجأة في لحظات خاطفة …فأين الألم؟

والأدلة كثيرة في ذلك.

لكن في النهاية أقول: قد يقول قائل فأين أنت من سكرات الموت؟؟

والجواب: إن الموت فعلًا له سكرات لكنَّ السكرة ليست مؤلمة بل هي غيبة أو غيبوبة يغيبُ فيها الإنسانُ عن الوعي ثم يعود، وأحيانًا يسأل بعد يقظته من السكرة ماذا حدث لي؟ أو أين أنا الآن؟ وكأن شيئًا لم يحدث.

وهذا يحدث أيضًا لمن يكون في حادثٍ ويغيب عن الوعي فيستيقظ قي المشفى وهو لا يدري شيئا عما حدث.

أيضًا سلْ من تحدث له غيبوبة بسبب مرض السكرى _شفى الله كل مريض_ فربما يظل أيامًا غائبًا ثم يعود إلى وعيه، بل بعضهم أخبرني أنه ما كان يريد أن يَفيِق من غيبوبته، وكان يرى أمه بجواره تطعمه وكان سعيدًا بتلك الغيبوبة.

فالسكرات ليس لها ألم لكن بعض الدعاة أضافوا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم المتعلق بسكرات الموت دعاءً فظنه الناس جزًا من الحديث وهو ليس كذلك.

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند موته {إن للموت سكرات} لكن بعض الدعاة أضافوا له «اللهم هون علينا سكرات الموت يارب العالمين» وهي ليست من الحديث لكن ظنها الناس جزءًا منه فتوهموا صعوبة السكرات.

أما السكرة في اللغة هي المرَّةُ من سَكِرَ. يقال: ذهَبَ بين الصَّحوةِ والسكرةِ: أَي بينَ أَن يعقِل ولا يعقل.

فلا دليل على ألم سكرات الموت إلا بعض التوهمات، أو قصص لا أصل لها،

وهناك بعض القصص المشهورة التي ساعدت في ذلك. منها.

لما نزل الموت بسيدنا عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ فقال له ابنه عبدالله_رضي الله عنه_ يا أبتي: لقد كنت تتمنى أن يرجع أحد ويحكي لنا الذي يحصل، فأنت الآن ماذا يحصل لك؟ فقال سيدنا عمرو: والله كأنما انطبقت السماء على الأرض، وكأن روحي محشورة بينهما، وكأنني أتنفس من ثقب إبرة، وكأنني عصفور فوق مقلاة زيت يغلى على نيران ساخنة، فلا هو يطير فينجو، ولا يموت فيستريح.

وقد ذكرها بعضهم على أنها رؤيا ونحن لا نأخذ أحكامًا من الرؤى. ولو لم تكن رؤيا فأين نجدها في كتب السنة مُسندة صحيحة؟ ولو ثبتت فليست حجة لأنه ربما يكون ذلك من ثقل المرض لا من السكرات.

لكن قد يسبق الموت ألمٌ رهيب بالجسد فعلًا، وهذا لا علاقة له بالموت بل بالمرض فكثيرًا ما يزول الألم ويعيش الإنسان حياة طيبة، وأحيانًا تجد من مات فجأة بلا ألمٍ ولا مقدمات، بل إن كثيرًا ما يصح بعضهم ويقوم نشيطًا وكأنه لم يكن به بأس، ثم يموت، فيقلون كان يودع الدنيا…

ولقد حدث هذا مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم_ وكان في مرض الموت، وفي لحظة رفع الستر ونظر إلى الصحابة الكرام وهم يصلون، وكان مسرورًا بهم لانتظام الأمر من بعده، ففرح بذلك الصحابة الكرام ظنًا منهم أنه تم شفاؤه، لكنه كان يلقي عليهم نظرة الوداع، فهذا النشاط سبق خروج الروح…

يا أحباب: إن الموت يحيط به مشاعرَ الصّفاء، والجمال، والسّلام، والهدوء، ويتجاوزِ الحدود،و يتخط الأسوار ، فتخرج الروح من الجسد، وتخترق الحجب، وتدخل ملكوت السماوات

وهذه روح المؤمن أم غير المؤمن فالله يتولاه.

فاحرص أن تكون من أهل الإيمان.

قد يعجبك ايضا
تعليقات