القاهرية
العالم بين يديك

موت صغار وتحطيم قلب

304

كتبت- سالي جابر

تعقدت الحياة وتشابكت خيوطها، وأصبحنا نعيش في بؤرة منعزلة وسط الزحام، جزيرة نائية بين الجميع، كلماتنا ألم، ذكرياتنا عذاب، أصبح الجميع يهرب من واقعه بصورة من الخيال ينسجه هو، فيرتطم بحجر الواقع الأليم .
ما هو الألم الذي يستخرجك من أعماقك ويحولك إلى رماد! بعد الحروب و الصراعات التي تدور بينك وبين نفسك، ماذا تفعل عندما يضيع منك الحلم، وتتكسر دوافعك أمامك وأنت محطم بائس لا يمكنك فهم ما يحدث حولك، تعيش وسط الزحام؛ زحام الفكر والقلوب.
في طريقك للسعي فأنت إما أن تكون أو لا تكون، وهناك طائفة تعيش بصفة الموتى، لكنها ترى وتسمع دون إبداء للرأي، ينقسم المجتمع إلى فئات أو بالأحرى؛ الفئة التي تتمتع بكل شيء وتملك كل شيء، أما الأخرى الفئة الدنيا التي لا تملك إلا قوت يومها، وتتحسر يوميًا وتعيش في بوتقة خاصة بها، تنظر للأبراج العاجية وتبتسم فهي لا تملك إلا ذلك، يعيشون ويبتسمون ويتزوجون؛ لكن ما فائدة زواج ( المتعوس من زفت الطين) ينجبون للدنيا نماذج مهددة بالموت وهي على قيد الحياة، فعندما يجعلك المجتمع مكبل اليدين، مقيدًا بسلاسل الأبناء، تعيش في كنفهم، ليس هم من يعيشون في كنفك، تستدل بنورهم ودفئهم وشمسهم الساطعة، ثم تختفي تلك الشمس تحت شعار ( قضاء وقدر ونصيب) وتلك هي أم الصغار الذين احترقوا في منزل الطالبية بفيصل، امرأة مطلقة معيلة، تعمل من أجل أبنائها( جودي 8 سنوات، يوسف 6 سنوات، جولين 4 سنوات، عبد الرحمن سنتين) أعمار متفاوتة؛ يحتاج كل طفل منهم إلى رعاية خاصة به، وأطباء ومدارس وملبس ومأكل ومشرب، تكافح الأم بين بيت وعمل ورعاية وتربية- وحدها- بعدما رفض الزوج الإنفاق على أطفاله وتزوج بأخرى.
أستأجرت الأم شقة لتكون مأوى لأطفالها فهي تغدو صباحًا للعمل وتعود ليلًا لتكمل مشقتها اليومية، المكابدة العصية، وهيا لنتخيل الأمر معًا… وعلينا أن نطرح السؤال التالي «من المسؤول؟!»
لا نتحدث هنا عن الاختيار من البداية، الاختيار الذي يجعل المرأة تقع فريسة لمكابدة شاقة طِيلة حياتها، بل إن الأمر تخطى دور امرأة أساءت الاختيار، وزوج غير قادر على المسؤلية، أو بالأحرى هو ذكر لأن الرجولة تتمثل في حماية بيتك وأسرتك حتى وإن لم يكن في إمكانك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” طالما تزوجت عليك أن تعرف واجباتك
أما إذا تخليت عنها فلا يصح أن يطلق عليك إلا ذكر أراد أن يلبي شهواته فقط.
هيا معي في رحلة قصيرة لنبين كم المعاناة التي تنتظر المرأة المطلقة المعيلة؛ حتى يمكننا الإجابة عمن يزعمون أن الأم خاطئة من خلال توجيه أسئلة قاسية للأم بأن كان عليها أن تضعهم في حضانة أو تستأجر لهم مربية أو تتركهم عند أحد…
عندما تحاول المرأة طلب الطلاق من الزوج عليها إما أن تتنازل عن حقوقها له مقابل الطلاق، أو ترفع دعوى خلع بالقضاء، وهنا يطول الأمر إلى قدر غير مسمى مع عدم نفقة الزوج على الأبناء مع طردها من مسكن الزوجية إضافة إلى تكاليف المحامي المكلف بالقضية، وهنا زاد الحِمل على الأم أضعاف مضاعفة.
ثانيا: ترفع دعوى نفقة على الزوج وعليها هنا أن تثبت دخل الزوج والذي هو يحدد حسب المرتب الأساسي بعيدًا عن الزيادات والمكافآت، وغالبًا يكون راتب بسيط، والنفقة قليلة لا تكفى مصاريف البيت.
ثالثًا: عندما تكسب الأم دعوى النفقة عليها أن تنتظر أشهر عدة لمراجعة الملف الخاص بها للحصول على المبلغ الذي حددته المحكمة، و أتمنى لها حسن الحظ عندما( لا تخطيء مدام عفاف ذات النظارة الضخمة، والأنف الأخنف، والبلعوم الغليظ، وهي تقول لها أوراقك غير مكتملة) والأسوأ من هذا إذا كانت الزوجة لا تقرأ، فمن سيقوم بالإمضاء على القرار، وهذا كله غير الذهاب للشهر العقاري لعمل توكيل للبنك الذي تحصل منه على النفقة.
رابعًا: رحلة الطلاق عبر المحاكم ليست قضية واحدة بل، -وأتمنى أن يطول بال القاريء معي- هي قضية خلع، نفقة صغار، تمكين من منزل الزوجية أو بدل مسكن، نفقة مدارس، نفقة علاج، نفقة مجمدة، وتبديد منقولات، وحتى تعيش الأم حياة كريمة بعد عناد وذل من الزوج، قد تكون مشردة لأكثر من عام، فهي تتحمل نفقات كثيرة لتحيا هي وأولادها.
الحياة أصبحت صعبة لا تستدعي كلمات الخوف والذل من الآخرين، تفطرت القلوب على تلك المرأة وهي لم تتحمل صدمة حريق أطفالها الأربعة وتقول( طيب صحوا لي حد منهم) كم معاناة كابدتها تلك المرأة من مجتمع لم ير أحدًا ؟!
مجتمع يعيش فيه الأفراد تحت خط الفقر، يعيشون وهم لا يعلمون سوى كيف يمر اليوم بلا معاناة، وهم يحملون قوت يومهم دون الذهاب إلى طبيب، ربما يبيتون وطعامهم خبز فقط، لا يتذوقون طعم اللحم، يشتهون أشياء لا يعلمون لها لا طعم ولا لون.
على المجتمع أن يبحث في الأمر، هل تتوقف الحياة لإن( السيستم واقع)، هل تموت الأم  وأطفالها لأن (الروتين كدا) ؟!
الحق؛ النظام شيءٌ جميل، وأن يكون لكل موظف دور شيء غاية الجمال، لكن الأمر يسوء لعدم قلة الموظفين، أم النظام هكذا؟
أكيد لكل مشكلة حل، وكل الأسف أن تخسر امرأة أطفالها لمجرد أنها اختارت حريتها من ذكر لا يعرف للرجولة معنى.
ابحثوا داخل أنفسكم قبل الزواج عن معنى المودة والرحمة التي تحدث عنهما القرآن الكريم، وادعموا الحب، وأضيفوا للمثنى ( أنت وزوجك) فرد ثالث ورابع تحتضنون الحب بينكم، وتنثرون الثقة والأمان على أبنائكم، وإن لم تتوفقا اتركوا بعضكما بالمعروف، ولا تخلوا بنواميس الكون .
رحم الله هؤلاء الأطفال، ورزق الأم الصبر والسلوان.

قد يعجبك ايضا
تعليقات