القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

بيت الحياة في مصر القديمة

86
نهال يونس
لم يكُن بيت الحياة فى مصر القديمة مُجرَّد مكتبة يستمد منها ملوك مصر نصوص العالم الآخر المُسجَّلة على جدران مقابرهم، وإنّما هو مصدر كل العلوم التى يحتاجون للإطّلاع عليها للوصول إلى «الحِكمة» التى كانت أهم الصفات الواجب توافرها في من يستحق عرش مصر.
يقول الملك رمسيس الرابع أنَّه قرأ كُل الكتب الموجودة فى «بيت الحياة – پر عنخ»، وبذلك إطّلع على أسرار أوزير، أمَّا الملك نفر حتب الأول فيقول أنَّه قرأ كل كتب «آتوم» الموجودة بهليوبوليس، وبذلك إطّلع على أسرار خلق الانسان، وكيف خُلِقت الكائنات الإلهية، ولماذا اختارت تلك الصور المُعيّنة لتظهر بها فى العالم المادي (الصقر: حورس، طائر الأبيس: تحوت، ابن آوى: أنوبيس، إلخ).
كما يروي لنا الأدب المصري القديم أيضاً أنَّ مكتبة بيت الحياة كانت ملاذاً لملوك مصر يستمدّون منها المشورة وقت الأزمات، ويبحثون فيها عن حلول للمشاكل، فقد حدث فى عصر الملك زوسر (القرن السابع والعشرين قبل الميلاد) من الأسرة الثالثة، أن تأخَّر فيضان النيل لمدة سبع سنوات متتالية، مما هدد بحدوث مجاعة، فماذا كان رد فعل الملك زوسر، وكيف تصرَّف حيال هذه الأزمة؟ ..
كان الحل فى نظر الملك موجوداً فى «مكتبة بيت الحياه»، أقدم المكاتب في تاريخ البشرية، فقد أبدى رغبته فى الذهاب إلى كبير كهنة هرموبوليس (وهي مدينة تحوت)، والقيام بزيارة مكتبة بيت الحياة بهذه المدينة المُقدَّسة لقراءة لفائف البردي المحفوظة بها، والإطّلاع علىَ أسرار الإله خنوم ،وعلاقته بمنابع النيل، وتقديم القرابين له.
كان الصرح المعماري لبيت الحياة في مصر القديمة هو عبارة عن نموذج مُصغَّر لـ الكون (Microcosm) ..
يقول الكاتب Dimitri Meeks واصفاً بيت الحياة: «كان بيت الحياة فى نظر المصرى القديم نَموذجاً مُصغّراً للكون (Microcosm)، ففي مركز الصرح المعماري لبيت الحياة كان هُنَاك دائماً رمز الحياة -ألا وهو أوزير- أمَّا أركانه الأربعة؛ فكانت تحرسها اِيزيس، ونفتيس، وحورس، وتحوت، وكان (جب) هو أرض «بيت الحياة»، وكانت (نوت) هي سماؤه.
وفي كل عام كان الكهنة في بيت الحياة يقومون بأحد الطقوس المُقدَّسة التى ارتبطت إرتباطاً وثيقاً بوظيفة هذه المؤسّسة العلمية، حيث كانوا يصنعون دُميَة صغيرة لأوزير على هيئة مومياء مكفنة في لفائف الكتان، ويضعون هذه الدُميَة داخل تابوت صغير يحمل علامة العنخ (مفتاح الحياة)، وكان التابوت يحمل أحد ألقاب أوزير التي تصفه بأنَّه «الذى كان موجوداً من قبل»، ويقوم الكَهَنة في هذا الطقس بمحاكاة ما فعله تحوت في الزمن الأوّل عندما نطق بكلمات إلهية مُقدّسة أعادت أوزير إلى الحياة مرّة أُخرىَ، وهذا الطقس الخاص بـ «بيت الحياة» يوضح لنا المعنىَ الحقيقي لمصطلح (بيت الحياة)، وهو «الحياة الأبدية/الخلود»، فإنَّ بعث أوزير وعودته إلى الحياة مرة أخرى ليس معناه العودة إلى نفس الحياة السابقة، وإنّما المعنى المقصود هو الحياة الأبدية/الخلود.
كان بيت الحياة في مصر القديمة هو بيت الكتابة، والكُتب، والعلوم، والتربية، والكلِمة المكتوبة التي لها قدرة سحرية تجعل الطقوس الدينية تكسب قوة التأثير على العالم المادي، وفي الأدب المصري القديم كانت كل الكتب المُقدّسة المحفوظة بمكتبة بيت الحياة توصف بكلمة واحدة هي «تجلّيات رع»، وهو مُصطلح يشير إلى الكائنات الإلهية التي خرجت من الإله الواحد الخالق في الزمن الأول.
من كل هذا نُدرِك أن الكُتب والكِتابة كانت تحظي بالتقديس والتبجيل والأهميّة فى مصر القديمة، لأن الكتاب المقدس هو «تجليات الخالق» حسب المُعتَقد المصري القديم.
قد تكون صورة لـ ‏‏٥‏ أشخاص‏
قد يعجبك ايضا
تعليقات