القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

لا تجعلني خائنة

115

بقلم/ سالي جابر
أسوأ الأحاسيس هي  تلك الكامنة بداخلنا، نائمة لا نود أن يوقظها أحد، مكبوتة داخل اللاشعور، إلى أن يقوم أحد بالضغط عليها، ربما دون قصد عندما يقص عليك حادثة مر بها، أو عابرة قـصت عليه، وأحيانًا عن عمد محاولةً منه إيذائك وإيقاظ مشاعرك، لكن يبقى دائمًا السؤال الأهم، وهو: هل أنت تعرفني لهذا الحد، تعرف ما أعانيه، ما أواريه خلف أسلاك قلبي، ماخبأته في مكنوناتي الداخلية!
لا تحاول إيقاظه فإنه النار التي تشتعل فيَّ حنينًا وأسى، هل تعلم ما يجول بخاطري عندما تسمح لنفسك بالتجول في غرفتي النفسية! من سمح لك أن تقوم بدور الطبيب النفسي، أن تسمح لنفسك أن تتعرى مشاعري أمامك؟!
‏أحيانًا الكلمة التي تتفوه بها توقظ شذرات الألم داخلي، وتصيح في أحشائي كجندي مُلقى على الأرض في بركة دماء، يبكي عليه محبيه، ويمرون أعدائه فوق جسده، يمزقونه، وها أنت تفعل، تمزق أحاسيسًا يحاول القلب جمع شتاتها من سنين طوال، يعمل جاهدًا على الخروج من دائرة الأسى دون لحظات ضعف أو بكاء، يحاول أن يجد مخرجًا  دون أن يكون فريسة يلتقطها فم الأقوى، اليوم نحن هنا في مقهى الآمال بعد ترميمه، كتبت على هذا الجدار كلمات كلما قرأتها أعادت في داخلي الحياة، كتبت:” الشوق يضني، والخوف يحرق، والآمال المستعصية يأتي لها يوم وتتحقق، تحتاج فقط الخروج إلى النور” وهنا حفرت أحرف اسمي  كمراهقة تحب في الخفاء وترسم قلوب وتناجي العاشقين، مهلًا يا وقت لا تجري بيَّ؛ أريد ملاحقة الآنام، أريد أن أرسم صورة فنية بريشة دافنشي، وأكتب موسيقى موتسارت بيدي، أكون سيمون دي بوفوار، أكون شخص يجمع كل ما يحيي القلب، ويجعل له عالمه في عوالم خفية.
‏أفقت من جداول الذكريات، وأنهار الحنين إلى الماضي، ونهضت لاختار كتابًا أضيع بين صفحاته، أتوه بين جمال كلماته، وبدأت أقرأ بعيني وقلبي وأناملي، أنا أخط بالقلم ويحفر قلبي كلمات تلك الرواية، أول رواية تصدر لذاك الشخص الذي جعلني أتألم كل هذا الألم، قال لي قديمًا قبل أن يكون هو ذاك الروائي الذي نتزاحم لنحصل على توقيعه:” أنتِ الأولى والأخيرة، أنتِ دافعي للكتابة، سوف أهدي لكِ كلمات الحب والامتنان في أول كتاباتي، سيحمل قلمي كل الرجاء لكِ، ستكونين بجانبي في حفلات الوقيع، لا أثق في غيرك، تنظمين مواعيدي، وترفضين منها ما تشائين”
‏سوف افتح الإهداء لأرى، هل أنا هنا، أم كنت مجرد كلمات، كلمات ليل ثليج تذوب مع أول شعاع للشمس، كعاشقة تغرق في بحر هواء محبوبها، وعندما استنجدت بحبه، ألقى لها عود خشب، لا هو مد لها يده، ولا أثقل قلبها بكلمات الحب كي لا تغرق؛ إنما قال لها:” ستكونين بقلبي دائمًا وأبدًا” صفحة بيضاء خاوية مني، من روحي، ومن قلبي، فارغة من أنفاسه التي تعودت عليها بين سطوره، وكان الإهداء معلق بين الأمل والرجاء” إلى من كانت روحي معلقة في رحمها، ودموعي توجع قلبها، إلى أمي، غاليتي، إلى من أجهده الليل وأرهقه النهار وهو يحمل مشقات الحياة على عاتقيه، إلى أبي”.
‏في حفلة توقيع أول رواياته؛ كنت أجلس في الصف الأول أنتظره مع المنتظرين، أتوق لرؤيته كمن يتمنى ظهور الشمس في نهار عاصف، وعندما وجدته ابتسمت وكانت دمعة فرح اختلطت بالشجن، ومنعت الحنين من الهروب إليه، الجميع كانوا يتصارعون، بينما أنا مكاني وبعد مرور ساعتين من الضوضاء حولي، رأيته بجانبي يهديني كتابه، ويكتب عليه:” كنتِ وما تزالين” ورحل دون أن يتفوه بكلمة، ألهمني صمته الكلام، لأنني  وجدت في عينيه صمت يحوي مشاعر وكلمات وأنين، هرب من أمامي، وعدت أدراجي بكتاب كامل قرأت من أحرفه ما شعرت أنه موجه لي، كنت أنا البطلة التي تحبه بشده، بينما جعلها تخونه بمشاعر جامدة، لكنها كانت تحبه بلغتها هي.
‏أنهيت  الرواية في ساعتين، ومضيت أحلم بالرواية القادمة، ربما يختار نهاية سعيدة لذلك الحب البائس الحزين، أرسلت رسالة على هاتفه تقول:” أنتظر الرواية القادمة، وأتمنى ألا تجعلني خائنة”

قد يعجبك ايضا
تعليقات