القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

قراءة في رواية “في أثر عنايات الزيات” إيمان مرسال

164

سهام سمير

لم أعتد أن أنهي العام بقراءة وأبدأه بأخرى لكنني وجدت نفسي ألهث وراء الكلمات والسطور لأنتهي من قراءة الرواية قبل أن يغمض العام عينه وينام قرير العين تاركا إيانا لعام أخر.
تبدو الرواية كسيرة ذاتية لكاتبة رحلت، الغلاف والعنوان يوحيان بهذا.
تأتي المقدمة كتمهيد للدخول لمغزى العمل، رغم أن السير الذاتية قد تكون لغتها مباشرة وعبارة عن سرد أحداث قد يعلم بعضنا عنها شيئا أو لا يعلم. لكني أعترف بأن هذه الرواية مختلفة، لا تكتفي بحكاية عنايات الزيات وفقط لكنها مرثية تعرض لكل كاتبة وما الصعوبات التي تواجهها والتي للمفارقة لم تتغير منذ الستينات وحتى الآن.
فترة الستينات كانت فترة لازدهار الإنتاج  الأدبي والتحرر وظهور المرأة في مجالات كثيرة، كانت الفرصة متاحة وكانت المرأة في تعطش للعب أدوار في المجتمع إلا أن هذا لم يغير في طبيعة المجتمع الكثير.
المجتمع الذي يمثله الرجل في معظم الوقت، فالكتابة كملكة وموهبة فريدة، لا يختص بها الرجال وحدهم وليست حكرا عليهم، إلا أن ظهور نساء تكتب كان دائما هاجسا وخط لا يراد له أن يمد على استقامته، بل المراد وأده في البداية أو في أحسن الأحوال تحجيمه وتأطيره ليكون كتابة سطحية تتناول الرجل وتدور حوله.
أما عن الرواية ذاتها فتحكي قصة عنايات الكاتبة الشابة التي أنهت حياتها قبل أن تنشر روايتها وتخرج للنور، ويقال أن سبب الانتحار كان رفض دور النشر لروايتها، مع تخلي عدد من الأدباء الذين وعدوها بالدعم في وقت كتابة الرواية.
ترى الكاتبة إيمان مرسال أن هذا ليس السبب الوحيد لانتحار عنايات وقد حاولت جاهدة، بمقابلة أطراف قريبين من عنايات وعاصروا وقت ظهور موهبتها، منهم نادية لطفي الفنانة الشهيرة رحمها الله. كما أنها التقت بشقيقة عنايات الصغرى وصديقة لعنايات مقربة تدعى مسيار.
حاولت الكاتبة والشاعرة إيمان مرسال تقصي الحقيقة، ولا يخفى على القارىء هذا الجهد، ليس فقط لكم المراجع التي راجعتها والأماكن التي ارتادتها الكاتبة لتتحقق من كل تفصيلة بنفسها رغم سفرها خارج البلاد معظم الوقت. لكن أيضا يتضح هذا في لغة الكاتبة الشعرية والتي لا تخلو من مواجدة مع عنايات ومصيرها وما لاقته في حياتها القصيرة.
في منتصف الرواية توقفت لأتساءل: ما فائدة المرثيات؟ ما فائدة أن نكرم من ماتوا ورحلوا ولن يصل لهم هذا التكريم؟ ما فائدة الندم على اللبن المسكوب؟ والبكاء على مصير شابة موهوبة ومجدة وأم حانية وابنة مطيعة!
كانت الإجابة في طيات الأوراق وبين السطور، حيث تحتفى الكاتبة بواحدة من المهمشات والمنبوذات والتي لا تبتعد كثيرا عن أي واحدة فينا بكل صراعاتها بين واجبات والتزامات نحو أسرتها وابنها وعملها وموهبتها!
إن اهتمت بأحدها نازعتها بقية الواجبات.
كنت أنتظر قرب نهاية الرواية سببا لانتحار عنايات غير السبب المعلن والممهد له من البداية، الموهبة التي لم تقدر والرواية التي لم تنشر إلا بعد وفاتها والقصص التي نشرت بعضها بأسماء مستعارة.وعرجت الكاتبة على سبب عاطفي، قد يكون قصة حب لم تكتمل لكن لم تطل الكاتبة والباحثة في حياة عنايات الزيات كثيرا في تلك النقط ولم تفصلها ولا تستفيض فيها فعدنا للسبب الأول والمعلن والمقبول من المجتمع ومن العائلة وهو رفض نشر روايتها مما أصابها بالإحباط لكن عرفنا في بعض تفاصيل الرواية أن عنايات عانت من الاكتئاب وعولجت منه ودخلت مصحة قضت فيها بعض الوقت.
فالحكاية أنها لم تكن مجرد أديبة تتمتع بالحساسية الشديدة لكن كانت تعاني مع قضايا شخصية لتحصل على الطلاق مع زوج لم تسعد معه وكان يضغط عليها بابنها.
مما يثير الحزن والشجن أن قبر عنايات يشرح بوضوح مأساتها التي تنطوي على التهميش والنبذ طوال الوقت، ف عنايات دفنت في مقابر غريبة عن أسرتها، وبجوار غرباء فانطبق عليها المثل: عاشت غريبة وماتت غريبة.
ما أقسى هذه العبارة:
“أنا لا أعني شيئا عند أحد.. إذا ضعت أو وجدت سيان. وجودي كعدمي، أنا إن وجدت أو لم أوجد لن تهتز الدنيا. خطاي لا تترك أثرا وكأني أمشي على الماء، ووجودي لا يراه أحد كأنني غير مرئي”
أعتقد أن هذه الكلمات لخصت حكاية عنايات وكل عنايات.
رغم صعوبة العبارة إلا أن الرواية في العموم تعطي الأمل في أن يتقصى أحدهم أثرنا يوما ما.

قد يعجبك ايضا
تعليقات