القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

داهية العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه

173
بقلم / حسن محمود الشريف
كان سيدنا عمرو بن العاص رضى الله عنه من سادة قريش في الجاهلية، فأبوه هو العاص بن وائل السهمي، وكان يحترف التجارة، فقد كان يسافر بتجارته إلى الشام واليمن ومصر والحبشة. … أرسلته قريش إلى أصحمة النجاشي ملك الحبشة ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده. حضر عمرو بن العاص غزوة بدر مع قريش ضد المسلمين، ثم حضر غزوة أحد، ثم غزوة الخندق.
اشتهر الصحابي الجليل عمرو بن العاص بالدهاء والحيلة وحسن التصرف في المواقف، حيث كانت العرب تقول: “معاوية للمعضلة وعمرو للبديهة، والمغيرة بن شعبة لكل صغيرة وكبيرة”، وقيل عن دهاء عمرو بن العاص بأنه “كان داهية العرب رأيا وحزما وعقلا ولسانا”. الصحابي الجليل عمرو بن العاص – رضي الله عنه – هو أحد فرسان قريش وأبطالها، وأذكى رجال العرب، وأشدهم دهاء وحنكة وحيلة، وكان إسلامه قبيل فتح مكة، وعرف عنه أنه مجاهدا شجاعا يحب الله ورسوله، ويعمل على الدوام لرفع لواء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكان رسول الله يحبه ويوليه العديد من المهمات وقيادة الجيوش، ويقول عنه : “عمرو بن العاص من صالحي قريش ، نعم أهل البيت أبو عبد الله ، وأم عبد الله ، وعبد الله”. أسلم عمرو بن العاص قبيل فتح مكة، وقال: ما رفعت بصري في وجه النبي صلي الله عليه وسلم حياء منه. ومن جميل كلامه: “والله لا أملّ دابتي ما حملتني ، ولا ثوبي ما وسعني، ولا زوجتي ما أحسنت عشرتي، إن الملال من سيء الأخلاق”. وكان يقول: “ليس العاقل من عرف الخير من الشر، ولكن العاقل من عرف خير الشرّين”. وكان الفاروق عمر بن الخطاب يحبه ويعجبه منطقه، وعندما كان يري رجلا لا يحسن الكلام كان يصكّ فاه، ويقول: “سبحان الله إن الذي خلق هذا خلق عمرو بن العاص”. ما معنى الدهاء؟ الدَهاء هو فِطْنة، ذكاء، بَصَر بالأمور وجودة رأي ومَكْر واحتيال. ويقال تَصَرَّفَ بِدَهاءٍ: أي بِتَبَصُّرٍ وَفِطْنَةٍ وَحِذْقٍ، ويَتَمَتَّعُ بِدَهاءٍ: أي بِجَوْدَةِ الرَّأْيِ، و هُوَ ذُو دَهاءٍ: أي ذو مَكْرٍ واحْتِيالٍ. والداهية: اسم، الجمع : أدهياء و دواهٍ. ويقال رَجُلٌ داهيةٌ: أي عاقل، جيّدُ الرأي بصيرٌ بالأمور. كما أن الدَّاهيةُ : هي بَلِيَّة، مُصيبةٌ وأمرٌ منكر عظيم. ويقال : فليذهب في داهية: اي فليذهب إلى جهنّم. والدهاء ليس قرين العلم والفقه والقضاء، فقد يجتمع معهم، وقد لا يجتمع.وقد اشتهر العرب قديما بحيلهم في الطب والفقه والهندسة والسياسة، وتعددت مؤلفاتهم التي تتناول هذا المجال حتى تجاوزت المئات. ولقد امتدح القدماء محاسن الحيل، وأثنوا عليها، وبيّنوا الفرق بينها وبين خدع المحتالين، فليس المقصود بالحيل هنا تلك الوسائل الملتوية، والطرق الخبيثة التي يتبعها الدجالون في نهب أموال الناس، وتزوير حقائق الأمور، بل المقصود من لفظ الحيل والدهاء هو إعمال الفكر، وتشغيل العقل، واستخدام الحكمة، للخروج من مأزق معين، أو لحل مشكلة ما. الحيلة والدهاء في الإسلام يقول الأستاذ محمد فتحي النادي أن القرآن الكريم ذكر طرفًا من استخدام الحيلة في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- مع إخوته، عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه، وأذن مؤذن من جنود سيدنا يوسف: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (يوسف: 70).يقول عز وجل: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (يوسف: 76). قال القرطبي: “وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولا هدمت أصلاً، خلافًا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل”. وقد استفاد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- من احتيال نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب، وقد أفشل الله بكيده وتدبيره مسعى قريش وغطفان ويهود. فكانت الهزيمة في معركة الأحزاب بالحيلة والدهاء، وليس السيف هو الذي حسم المعركة، بل إن السيف لم يكد يُستخدم فيها. والحقيقة، هناك شخصيات عديدة اشتهرت بالحيلة والدهاء في التاريخ العربي القديم، ويقال إن دهاة العرب الكبار أربعة: معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن العاص، زياد ابن أبيه والمغيرة بن شعبة. ويروى أن الأصمعي قال: “كان معاوية ـ رحمه الله ـ يقول: أنا للأناة، وعمرو للبديهة، وزياد للكبار والصغار، والمغيرة للأمر العظيم”. وقال الشعبي: “القضاة أربعة: أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى. والدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد”. وقال الزهري: “الدهاة خمسة: معاوية وعمرو والمغيرة، واثنان مع علي وهما قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء”. ويبدو أنه لا أحد من العرب قديما ومن القضاة أو المؤرخين للتاريخ الإسلامي، يمكن أن يسهو أو يغفل عن ذكر عمرو بن العاص في مقام الحديث عن الدهاء، فقد اتفق الجميع أن عمرو بن العاص هو “داهية العرب” بلا منازع، لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.ويظهر دهاء سيدنا عمرو بن العاص فى عدة مواقف منها
القصة الأولى: يحكى أنه في أحد الأيام بينما كان عمرو بن العاص رضي الله عنه في الطريق إلى المدينة لوحده اعترضه جماعة من قطاع طرق، وأمسك زعيمهم بتلابيبه. لم يكن قطاع الطرق يعرفون هوية الرجل الأسير، بل كانوا يهمون بسلبه وقتله كائنا من يكن، لكن عمرو استوقفهم قائلا: “توقفوا. إن قتلتموني بالسيف متنا جميعا”. استغرب قطاع الطرق، وسألوه: “لماذا؟” أجابهم عمرو: “إن بي داء، فإن انتشر دمي، يموت كل من حولي”. توقفوا متبادلين نظرات حائرة، فأردف قائلا: “وما أتى بي وحدي إلى هنا إلا أني أردت الذهاب لمكان لا يكون فيه أحد، فأموت وحيدا وأوقف المرض اللعين عن العرب”. ثم سأل: “من أمسكني منكم بيده؟” فأشاروا إلى زعيمهم وقالوا: “هو زعيمنا”. فقال عمرو: “لا أبرح مكاني حتى يذهب معي، فقد مسه الداء”. هنا، توجس قطاع الطرق خيفة من زعيمهم الذي اقتنعوا أن عدوى المرض لا بد قد أصابته، وكانوا يعرفون قسوته وبطشه، ففروا منه هاربين، تاركين إياه وحيدا مع الأسير. هنا، قال عمر بن العاص لزعيم قطاع الطرق: “الآن سأريك ما الداء، ألا وهو الذكاء. إني أخاف أن تصبح أذكى مني وأنت قاطع طريق، فلا يستطيع الناس الخروج آمنين من ديارهم”. ثم هجم عليه وقتله. والى اللقاء فى حيله ثانيه من دهاء سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه.
‏واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قد يعجبك ايضا
تعليقات