القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الحذاء الأحمر

179

 

بقلم / أميرة محمد

لقد كانت تلك هى الليلة الأخيرة لها كما أعتقدت أو بدا لها في هذا العالم المتآكل، المتهشمة لياليه و الواهن نهاره ، نظرت حولها فلم تجد غير ركام الذكرى و عبث الوجود ، تظلها سماء و تحيطها أرض كانت يوما مرتعا زاهيا لأحلامها و آمالها ،قررت أن تجوب هذه البقعة الفارغة إلا منها لتلقي نظرتها الأخيرة على كل شىء حولها ، الأطلال السخيفة التي تغوص فيها بقدمين عاريتين و ثياب رثه مزقها الخوف ، جابت كل شىء حولها بعين جديدة و قلب جريء فمن ترى هذا الركام و تلك الأشلاء لابد و أن تتعلم كيف تواجه أو بالأحرى تتصنع هذا الثبات .
لقد كان كل شىء في سبات عميق من الهلاك و كأن ماردا عملاقا جاب الأرجاء كلها فعثى فيها فسادا ، أو أن نيازك الكوكب قد تجمعت و قررت بقيادة الشمس المستعرة منذ ملايين السنين أن تهبط على الأرض فتطمس ملامحها و تتركها تنزف و تهم عائده إلى مستقرها الأخير بالمجرة.
أخذت تسير و تسير ببطء شديد كأنها تجر أقدامها من هول ما رأت و عظم ما مرت به ، تمشي ثم تتوقف تنظر حولها علها تصادف بصيص أمل من بقاء ،لكنها أدركت أن لا أحد هنا تقله هذه الأرض غيرها ،بدأت تستعيد بعض من قواها الخائرة و تحاول أن تستجمع بضعة من ذاكرتها المشوشة ، جلست بهدوء المستسلمة وسط هذه الأطلال فغفت عيناها و نامت كما لم تنم من قبل ، تصارع رياح عاتية ،تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه لكن هيهات ، رأت ذلك في منامها و هي تصدر همهمات لا يستطيع أحد تفسيرها و ينتفض جسدها الصغير الهزيل كما الذي يتعرض لصاعق كهربائي ، تفتح تارة ثم تغط في نومها مرة أخرى.
استيقظت و هى تشعر بجوع شديد و قد بدأ الظلام يلقي بظلاله ، أخذت تتجول حولها علها تجد ما يمكن أن تأكله .
في فناء حديقة منزلها لم تجد غير بقايا من حطام.
دخلت المنزل المفتوح بوابته على مصرعيه ، أخذت تنظر في كل شىء ، تتذكر أمها و أباها و أخواتها، اجتماعهم حول المائدة و أمام التلفاز ، ضحكاتهم و صراخهم و أيام كانت الأجمل، كانت دوما تسأل ربها أن يحفظ لها عائلتها و يديم هذا الحب عليهم ، أخذت تتذكر الجيران و أبنائهم و ذكرى عالقة داخلها لنظرات إعجاب جمعت بينها و بين ابنهم الأكبر و أيام دار فيها نقاش بينهما حول الطفرة العلمية و التكنولوجية التي تجتاح العالم و تسيطر عليه ، هو في حديثه يؤكد على سيطرة كاملة للعلم و هى تؤكد على أن العلم الجاف الذي انتزعت منه معالم الإنسانية ما هو إلا مارد خطير و كابوس سوف يستيقظ العالم منه على دمار .
و كأنها كانت على موعد مع نبوة سردتها لها عرافة و لكن لم تعلمها متى تقع ، عاشت عهد كما فراشة بين منزلها و الجامعة حتى انهت سنوات دراستها الجامعية في الكيمياء بتفوق ،لم تكتف بذلك بل أصرت على أن تكمل دراسات عليا.
قامت بتقديم اوراقها و بالفعل بدأت في دراستها و حاولت جاهدة أن تجد حلول علمية لكل ما يتعرض له العالم من تغيرات بناء على بحث دؤوب محاولة منها أن تعرف تاريخ الفيروسات في العالم و ما هي الأسباب و الآثار الناتجة عن وجودها ؟
حينما شرعت في ذلك وجدت كتب كثيرة و علم لابد و أن تنهل منه ، تفرغت لذلك و عملت ليل نهار على أن تجد كل الأسباب علها تصل لحلول تنقذ بها ما يمكن إنقاذه .
رائد:- عهد أنت هنا لم أرك من فترة ، كيف حالك و بأي مجال تعملين ؟
عهد :- _بعيون لامعة و قلب يخفق خجلا _ من ؟ رائد ؟
أنا بخير ، سعيدة برؤيتك ، أنا في محاولة للبحث عن تاريخ الفيروسات و ما هى مسببات وجودها و لكن لم أرك هنا من قبل ، لعله خير ؟ .
رائد:- أنا أعمل بمجال الطاقة و لي أبحاث هنا أيضا.
عهد :- وما علاقة هذا بذلك ؟
رائد مبتسما :- الكل الآن بعلاقة بعض منها قاتل و الآخر ينزف و سعيد الحظ من ينجو .
عهد :- عما تتحدث ؟ وأي علاقات هذي ؟
رائد:- أعلم ما تقصدين ولكن من خلال تعاملاتك ستعلمين كل شىء و ستفهمين ما أقصده .
عهد :- إن شاء الله، سيتجدد اللقاء و نتحدث أكثر عن أبحاثك هنا .
رائد:- إن شاء الله،سعدت برؤيتك.
عهد :- أنا الأسعد.
وجدت عهد بعض الطعام بالمنزل و بعض الشموع التي قامت بإشعالها وجلست تفترش الأرض فليس لديها خيار آخر ، كل شىء ضاع في لحظات .
جففت دموعها و تركت نفسها تستعيد ما حدث .
انشغلت عهد جدا بكل ما له علاقة بأبحاثها و دراستها و راحت تبحث هنا و هناك ، وخلال رحلة بحثها كانت قد التقت رائد عدة مرات ، تحدثوا فيها معا و وثق فيها لأبعد الحدود حتى صار يحكي لها عن أدق تفاصيل حياته و عمله و كيف أنه صار على شفا الإنفجار لما يراه حوله و يعلمه جيدا من تصنيع للفيروسات و استنساخ أخرى و كانت تستمع إليه و كأنها بكابوس.
عهد :- لماذا يحدث ذلك ؟
رائد:- إنها الحرب .
عهد :- ايه حرب ؟ و لماذا ؟ وكيف يحدث ذلك ؟
رائد:- إنها حرب البقاء ،الحرب التي ولدت مع ولادة العالم ، هذا العالم المليء بالمهوسين بالثروة و حب المال بل عبيد له ، لا يهمهم غير تحقيق النفوذ و السيطرة حتى وإن سحقوا دول بأكملها، إنهم لا يعرفون أي معنا للإنسانية، يجتمعون معا على الدمار ، و أنا أعلمهم جيدا .
اضطربت عهد من هول ما تسمع و شعرت بقلق شديد حياله، لكنه حاول تهدأتها و أخذها إلى مكان يبعد بكثير عن موقع العمل .
بحديقة تعج بالجمال يشرد رائد فتحاول عهد تنبيهه.
عهد :- لما تنظر هكذا إلى هذه الأعشاب؟
رائد:- الأمر لا يتعلق بها بل بلونها .
عهد :- لونها بديع حقا _أحمر _
رائد:- إنه اللون الأقل في الطبيعة ، الأقوى على النفس ،الجاذب للعين ، لكنه يحمل سرا خطيرا لا يمكن أن أقوله إلا لك
عهد تسمع باهتمام و صمت شديد و عيون واجفة .
رائد:- اكتشفت أنهم في مركز البحوث يستخرجون مادة صبغية حمراء من حلزون الموريكس وبدأوا في ذلك بالفعل ولكن الغريب في الأمر أن المادة يمكنها أن تفعل الكثير .
عهد :- ولماذا أنت مضطرب هكذا ؟
رائد:- أعلم أنهم يخططون لحرب بيولوجية على أوسع نطاق ، تجعل العالم تحت سيطرتهم ،فتزيد سطوتهم و نفوذهم و من هذه الاصباغ و بمساعدتك دون أن تعي ذلك من خلال حوارات لنا كثيرة حول بعض التفاعلات الكيميائية نسجت خيطا رفيعا يربط بين هذه المادة و علم الطاقة و كيف يمكن لها ألا تعمل إلا في الظلام ، فاخترعت سائل من هذه المادة يمكنه أن يحدث تغيرا كبيرا .
شعروا باقتراب الكثيرون فاعطاها الزجاجة لتخفيها بحقيبتها، وأسرعوا بالخروج.
بينما عهد تأن ألما وهى تتذكر كل ما حدث تذكرت الزجاجة و أين اخفتها بمجرد رجوعها للمنزل ، فقفزت من مكانها متناسية أي آلام وحملت الشمعة بيدها و دخلت تبحث عنها و جدتها و قد انسكبت على حذائها فأصبغته باللون الأحمر، وحين انطفأت الشمعة كان الحذاء قد أضاء كما النجمات بالسماء ، شعرت عهد بأنها نست كل ما مرت به و شرعت ترتديه، و بالفعل ارتدت عهد الحذاء و بدا كل شىء مختلف كأنها بالكوكب الأحمر، ولكن تحمله حياة من نوع آخر ، وجدت نفسها بمكان كل شىء يعج باللون الأحمر حتى المياه ، السماء ، النباتات من حولها ، حياة و كأنها داخل بلورة سحرية ، تذكرت كيف اختفى العالم بدمار أحدثه علماء يقطنونه و لكن تحركهم المادة ، تذكرت كيف شرح لها رائد أن ما يفعلونه سيلحق الأذى بالجميع ، وبزعمهم أنهم يملكون الدواء ، سيملكون العالم و لكن سطوتهم الفكرية غلبت سطوة المال فانقلب السحر على الساحر ، استيقظت عهد على الدمار ولم تكن تعلم أن وجود الحذاء هو ما انقذها
بدت عهد تتفقد كل شىء حولها ، وجدت من هم في انتظارها ، عالم جديد يحمل من اللون بريقه و سطوته الجاذبة للعين و من السحر أساطير.

تمت

قد يعجبك ايضا
تعليقات