القاهرية
العالم بين يديك
Index Banner – 300×600

الثورة الصناعية الرابعة وأثرها على التعليم الفني والتدريب المهني TVET4.0 الجزء الثالث

111

القاهرية
بقلم/ طارق غيث
متابعة /ايمان مصطفي
بيّنّا فى الحلقات السابقة التحدى الذى تواجهه دول العالم للتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة IR4.0، كيف تستعد الأنظمة التعليمية لمواجهة تلك التحديات الصعبة، وألقينا الضوء على الاستعدادات المصرية فى هذا الاتجاه، لا سيما الدور الذى تقوم به وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع القطاع الخاص والجانب الأوروبى فى إنشاء وتشغيل وإدارة مدارس التكنولوجيا التطبيقية، والموافقة على إنشاء هيئة ضمان جودة برامج التعليم الفنى والمهنى، والتأهب لانطلاق المركز القومى لشئون أكاديمية التعليم الفنى والتتكنولوجى، ومؤخرًا، افتتاح أكاديمية الهيئة العربية للتصنيع والتدريب بالشراكة التكنولوجية مع الجانب الألمانى، علاوة على ذلك، الجامعات التكنولوجية الآخذة فى التوسع، بما يضمن سهولة خطوات توطين الصناعة.
إن تلك الخطوات المتسارعة ذات الطابع التنافسى العالمى فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر الأمة، التى تتخذها القيادة السياسية فى مصر لمواجهة تحديات الصناعة ٤,٠ (Industry 4.0) ، بقيادة السيد الرئيس/ عبدالفتاح السيسى، وجهود وزارات الصناعة والتعليم العالى والقوى العاملة، والسعى الدءوب والإرادة الصلبة لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى بقيادة السيد الأستاذ الدكتور/ طارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، والسيد الأستاذ الدكتور/ محمد مجاهد، نائب الوزير لشئون التعليم الفنى، نحو تحقيق طفرة غير مسبوقة فى التعليم، تستدعى من جميع المعلمين – خاصة معلمى التعليم الفنى- الوعى والانتباه والتيقظ والتنور بمقتضيات الصناعة ٤,٠، التى لن يحققها سوى معلمى التعليم الفنى؛ وهذا هو الهدف الأساسى من وراء تلك الحلقات المسلسلة التى بدأتها منذ فترة عن التعليم 4,0 (TVET 4.0)، بعيدًا عن الجدل الدائر الذى لا يزال يراوح مكانه بشأن جدوى دمج التكنولوجيا فى التعليم.
وفى الواقع، فى الوقت الذى يدور فيه هذا الجدل، تتنافس دول العالم لصياغة سياسات تعليمية تقوم على الابتكار والرقمنة، للتكيف مع الثورة الصناعية الرابعة IR4.0. وفى هذا المضمار تستخدم هذه الدول مصطلحات مختلفة لوصف استراتيجيتها الوطنية المتعلقة بالصناعة 4.0، على سبيل المثال: “التصنيع الذكي” في الولايات المتحدة، و”صنع في الصين 2025″ في الصين، و”ابتكار التصنيع 3.0″ في كوريا الجنوبية، و”مبادرة سلسلة القيمة الصناعية” فى اليابان و” برنامج الأمة الذكية “في سنغافورة.
أما فى ألمانيا، فالمعروف أيضًا بالثورة الصناعية الرابعة IR4.0 ، أنها إحدى المشاريع العشرة المستقبلية لخطة عمل “High-Tech-Strategy 2020” التي تم الإعلان عنها لأول مرة من قبل الحكومة الفيدرالية الألمانية في “Hannover-Messe” في عام ٢٠١١، وهدفها هو إنتاج فردى أكثر جدارة ومرونة، يتم تحقيقه من خلال الضوابط اللامركزية للإنتاج وسلاسل القيمة التى يتم التحكم فيها رقميًا أو حتى ذاتية التنظيم، حيث تلعب تقنيات الأتمتة والوقت الحقيقي وأجهزة الاستشعار دورًا حاسمًا فيها، وتُعرّف الثورة الصناعية الرابعة على أنها “المرحلة التالية في تنظيم ومراقبة تدفق القيمة بالكامل على طول دورة حياة المنتج، استنادًا إلى رغبات العملاء الفردية المتزايدة وتتراوح من الفكرة، والنظام، والتطوير، والإنتاج، والتسليم إلى العميل النهائي مرورًا بإعادة التدوير والخدمات ذات الصلة. وتوافر جميع المعلومات ذات الصلة في الوقت الفعلي من خلال الربط الشبكي لجميع الحالات المشاركة في إنشاء القيمة بالإضافة إلى القدرة على اشتقاق أفضل تدفق ممكن من البيانات في جميع الأوقات، وهذا الربط بين الأشخاص والأشياء والأنظمة سوف يؤدى إلى إنشاء شبكات قيمة ديناميكية وذاتية التنظيم ومحسنة عبر المنظمات وفي الوقت الفعلى، والتي يمكن تحسينها وفقًا لمجموعة من المعايير مثل التكاليف وتوافر واستهلاك الموارد” . ومن المتوقع أن تحدث تلك الثورة تغييرات عميقة في عمليات التصنيع والإنتاج المستقبلية، مما يؤدي إلى مصانع ذكية، وبيئات صناعية مترابطة ستستفيد من مبادئ التصميم الرئيسية، وتبني تقنيات وعمليات إنتاج جديدة، وهذا يعني بلا شك قوة عاملة أكثر تأهيلاً، وبالتالى، فإن التحدي الأكبر للصناعات هو تكييف قوتها العاملة لتكون قادرة على متابعة الثورة الحالية.
وكما أسلفنا فى المقالات السابقة، فالأتمتة هى عنوان الصناعة ٤,٠، والرقمنة هى روحها، وهذا يستوجب من القوى العاملة أن تكون قادرة على التعامل مع بيئات عمل مرنة، وسياقات عمل سريعة التغير، وأن تكون على دراية بالتقنيات الجديدة باستمرار، على سبيل المثال، واجهات المستخدم المعقدة، والأجهزة المحمولة، التي يتم تقديمها أثناء عملية تطوير الشركة، مما يترتب عليه عملية تعليم/تدريب مستمرة للعاملين مدى الحياة، خاصة مجال المعرفة، لتحقيق هذه المخرجات، وهذا يتطلب تطوير المعارف والمهارات الجديدة مباشرة في مكان العمل.
من ناحيةٍ أخرى، يحتاج نظام التعليم الرسمى إلى تلبية احتياجات جيل الألفية، أو “الجيل Z Generation – Z ” -مواليد من ١٩٩٥حتى ٢٠٠٦- والأجيال القادمة، نتيجة لهذه الحقيقة، فإنه لا ينبغى أن تعتمد منهجيات التعليم فى مؤسسات التعليم والتدريب الفنى والمهنى على الأساليب التقليدية والجامدة فقط لنقل المعرفة داخل النظام الرسمى، بل يجب أن تتحول استراتيجيات التعليم فى الفصول الدراسية بالخبرة من الأساليب التقليدية إلى التعلم الأكثر ملاءمة للتكنولوجيا، لأن دور التكنولوجيا في التعليم يتطور باستمرار، ويحسن خبرات التعلم ويجعلها أكثر إبداعًا، مما يساعد على نشر المعلومات، والاحتفاظ بالمعرفة، وجعلها أكثر انتشارًا من أى وقتٍ مضى.
وفى سياق متصل، تصنف الصناعة ٤,٠ كواحدة من المحركات الرئيسية للابتكار في التعليم والتدريب الفنى والمهنى، لذلك ينبغي النظر إلى سياسات التعليم والتدريب الفنى والمهنى الرقمى من خلال عدسة التكيف مع هذا النموذج الصناعي الجديد. وفي حين أن الصناعة ٤,٠ ليست مصطلحًا مستخدمًا عالميًا بكثرة، فإن التقنيات والاتجاهات التي يشملها المصطلح ظاهرة بالفعل على مستوى العالم. على الرغم من الانفصال بين الوضع الحالي لقطاع التعليم والتدريب الفنى والمهنى والصناعة ٤,٠، فإن السياسات والاستراتيجيات الرسمية في العديد من البلدان تشير إلى أن التعليم والتدريب الفنى والمهنى يجب يتفاعل مع:
١. زيادة أتمتة المهام البسيطة – وزيادة المهام ذات المستوى المتوسط – بفضل تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي.
٢. زيادة التعقيد وتكلفة المعدات المستخدمة في المهن الفنية.
٣. التقنيات (الجديدة) الناشئة باستمرار.
٤. تدفقات عمل أكثر تعقيدًا تشمل فرقًا متعددة التخصصات.
٥. زيادة المرونة.
٦. زيادة الإنتاجية والكفاءة والجودة وتقليل الوقت اللازم للتسويق.
٧. المزيد من أنشطة البحث والتطوير.
٨. تنمية المهارات والمواهب الجديدة عالميا.
وبناءً على ما سبق، يمكن النظر في كيفية تفاعل عناصر توصية اليونسكو لعام (٢٠١٥) بشأن التعليم والتدريب الفنى والمهنى مع المفاهيم الثلاثة للرقمنة: الابتكار، والتكيف، والتسريع؛ فالابتكار الرقمى يصف كيف تتيح التكنولوجيا أشكالًا جديدة من التعليم والتعلم، بما في ذلك استراتيجيات التعليم الحديثة؛ بينما يفحص التكيف الرقمى كيف تتطلب التكنولوجيا تعليم مهارات جديدة، للتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمع وسوق العمل؛ أما التسريع الرقمى فيأخذ فى الاعتبار كيف يمكن تسريع السياسات أو الاتجاهات الحالية، بما في ذلك التوسع أو التضمين / الاستبعاد أو (عدم) التوظيف، وذلك بفضل التطورات التكنولوجية في المجتمع.
وفى هذا السياق، تسلط منظمة العمل الدولية الضوء على التحديات التى تواجه نظام التعليم والتدريب الفنى والمهنى الرقمى للتكيف مع الصناعة ٤,٠ فى العناصر الآتية:
١. قلة الوعي بمفهوم الصناعة ٤,٠ وفوائدها.
٢. عدم وجود سياسة وتنسيق شامل واضح بشأن الصناعة ٤,٠.
٣. فجوات البنية التحتية، لا سيما فيما يتعلق بالبنية التحتية الرقمية، وكذلك فجوات النظام البيئى.
٤. الافتقار إلى الحوافز المستهدفة لتحفيز المزيد من الشركات على التحرك نحو الصناعة ٤,٠.
٥. مجموعات مهارات غير متطابقة والافتقار إلى المواهب المناسبة / رأس المال البشري.
٦. عدم وجود معايير، مما يؤدى إلى صعوبات فى دمج الأنظمة المختلفة، فضلاً عن مشكلات الموثوقية اعتمادًا على حجم المؤسسة، يمكن أيضًا ظهور تحديات مختلفة.
وفى الحقيقة، إن العالم كله أصبح رقميًا بشكل متزايد وبالتالى يجب أن يواكب التعليم والتدريب الفنى والمهنى هذا السياق، وبعبارة أخرى، فإن التعلم القائم على التكنولوجيا ليس مجرد رقمنة بعض المواد وإتاحتها عبر الإنترنت، ولكنه يستجيب بشكل أساسي للفرص والتحديات الجديدة التي أصبحت ممكنة بفضل الرقمنة، لا سيما الاستناد إلى “التعلم النقال Mobile Learning” فى استخدام مجموعة من التطبيقات والاستراتيجيات التعليمية التى تقوم عليها الصناعة ٤,٠، والبحث عن أفضل السبل التى يمكن الاستفادة منها بشكل كبير فى التعليم والتدريب الفنى والمهنى، على سبيل المثال، التعاون بين المنصات (المادية والافتراضية على حد سواء)، حيث يتم الاتصال من نظير إلى نظير؛ ويجب تطوير مثل هذه المنصات على المستوى الكلى، كلما كان ذلك ممكناً، كذلك حشد المنصات الموجودة من أجل الأغراض المذكورة أعلاه، مثل التعليم/التعلم فى المصانع، ومختبرات التعلم، ومراكز الابتكار، ومساحات التصنيع، … وما إلى ذلك، فمثل هذه المنصات تسهل الخبرة وتكلفة المشاركة، وإتاحة الوصول إلى عدد كبير من المتعلمين على أحدث طراز من البرمجيات والتكنولوجيا، علاوة على ذلك، يستفيد المعلمون/المدربون والمتعلمون من وسائل التواصل التزامنى، الذى تحققه تلك الأجهزة مما يعزز ويضمن الكفاءة والدقة والتنوع في تبادل المعرفة والمعلومات، فضلًا عن إكساب المتعلمين جدارة “المواطنة الرقمية Digital Citizenship”.
وعلى نحوٍ آخر، فإن هذه الإجراءات التي يتعين اتخاذها على المستوى الكلي غالبًا ما يتم تنفيذها بشكل جماعى، أي من خلال توحيد القوى، وفي كثير من الأحيان يتم تنفيذها فى شكل مجموعات متعددة فى وقت واحد؛ كما أن الأجهزة المحمولة أيضًا توفر ذكاءً وقدرات معززة عند الطلب – مثل الشاشة المثبتة على المعصم لعرض التفاصيل ذات الصلة وتسجيل الملاحظات على الفور؛ علاوة على “الروبوتات المتنقلة التعاونية (Cobots) التى تقوم بأداء المهام المتكررة والتدريب عليها أثناء التنقل دون الحاجة إلى البرمجة.
إن هذا التحول فى بيئة العمل سيؤدي أيضًا إلى تغيير ملامح الوظائف، وبالتالي يتطلب تجهيز المتدربين بمجموعة واسعة من الجدارات؛ ففى الصناعة ٤,٠ ، تكتسب ملفات التعريف أهمية متزايدة، بينما سيتم استبدال القوى العاملة في الغالب بعمليات آلية، نتيجة لذلك، يتفق العديد من الممارسين والباحثين على أن تطوير جدارات الطلاب تستلزم تعليمًا يتكيف مع متطلبات الصناعة ٤,٠، ولمواجهة هذا التحدي، تقترح الأدبيات إكساب الطلاب الجدارات من خلال التعلم القائم على السيناريو. وتقسيم الجدارات إلى مجالين: الجدارات التي يجب على الطلاب إتقانها، والجدارات التي يجب على الطلاب التكيف معها.
علاوة على ذلك، تؤكد منظمة العمل الدولية واليونسكو أنه مع زيادة الطلب على الجدارات الجديدة، فإن التقنيات الرقمية تخلق أيضًا فرصًا وتحديات جديدة للتعليم والتدريب الفنى والمهنى وأنظمة تنمية المهارات، بالإضافة إلى التغييرات في طرائق الوصول وطرق التعلم والتقييم والشهادات. فاستخدام التقنيات الرقمية، بما في ذلك الموارد التعليمية المفتوحة (OER) والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعى (AI) في التعليم والتدريب يؤدى إلى إحداث تغيير في تطوير المواد التعليمية وعمليات التعليم والتعلم، فضلاً عن تغيير أساليب التعليم بشكل جذري، بما في ذلك التعلم “غير الرسمي Informal” و”التعلم اللارسمى Non-Formal”، وتشكل هذه التغييرات مجتمعة مجموعة من التحديات الهامة للتعليم والتدريب الفنى والمهنى وأنظمة تطوير الجدارات.

قد يعجبك ايضا
تعليقات